لماذا الأب أب؟ ولماذا لا يكون إبن؟

السؤال
يزعم النصارى أن المسيح مولود من أبيه أزلاً … ونحن نقول : إذا كان الأمر كما تقولون فيكونان موجودان أزليان الله الأب أزلي والله الابن أزلي فإن كان الأب قديماً فالابن مثله وإن كان الأب خالقاً فان الابن خالقاً مثله ، والسؤال هو :
لم سميتم الأب أباً والابن ابناً ؟
فإذا كان الأب استحق اسم الأبوة لقدمه فالابن أيضاً يستحق هذا الاسم بعينه لأنه قديم قدم الأب، وإن كان الأب عالماً قديراً فالابن أيضاً مثله، فهذه المعاني تبطل اسم الابوة والبنوة، لأنه إذا كان الأب والابن متكافئين في القدرة والقدم فأي فضل للأب على الابن حتى يرسله فيكون الأب باعثاً والابن مبعوثاً؟

ألم يقل يوحنا أن الأب أرسل الابن للعالم؟ ولا شك أن الراسل هو غير المرسل.

الإجابة
من جديد فكرة أن الراسل غير المرسل فكرة مغلوطة، وهذا السؤال بصفة عامة فيه إدعاء غريب، فنحن لم نطلق مسميات، فلا نحن أطلقنا على الآب أباً ولا على الابن ابناً!!! ولكنه الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس هو الذي أعطانا هذه المسميات، وعلينا أن نفهمها من الكتاب المقدس نفسه.

ولكي أرد على سؤالك لابد أن اضع بعض النقاط الهامة:

في الإلهيات الأبوة ليست أقدم من البنوة، فكيف نُدخل الزمن كعامل لمن هو خارج إطار الزمن؟!! بمعنى أن موضوع الزمن ليس له وجود لأن الله خارج الزمن، ولكن للأبوة والبنوة معنى إلهياً علينا أن نفهمه .

البنوة تعبير عن ما تم الإعلان عنه، فهو تعبير عن إعلانات الله للبشر عن الله. ويوضح لنا القديس يوحنا في إنجيله عمل الابن بهذه العبارة: “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.” (يوحنا 1: 18) كما أننا نرى في الرسالة إلى العبرانيين أنه يؤكد الفكرة فيقول: “اللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ” (عبرانيين 1: 1و2)

فالإبن إذاً مرتبط بحالتين هامتين “الإعلان والكلمة”.

بل لقد سُمي بالابن كنتيجة لأنه هو من أعلن مجد الله وأوضحه للبشر. فقبل ذلك الإعلان كان معروفاً عن الله أنه أب، فيقول عن نفسه في نبوة إشعياء: “رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ.” (إشعياء 1: 2) بعد أن أعلن الله عن نفسه بالحضور الإلهي والحلول وسط البشر من خلال ابنه تحول تعبير الأب الى آب … والآب معناه الذات الألهية، أما الابن فهو ما يمكن الاستدلال عنه بالكلمة.

رأينا الكلمة في الخلق، وبالكلمة كان الخلق، وكمال الإعلان تم في تجسد الكلمة، وظهوره في شكل بشري.

إذا فقد سُمي الإبن بهذا الاسم، لأنه نتاج الإعلان الإلهي للإنسان، ونتاج كلمة الله الذي قال كن فكان.

من الواضح أن الزمن عامل يخص الإنسان، ولا يخص الله، فالإعلان جاء لاحقاً للوجود الإنساني، ومن الطبيعي بالنسبة للبشر أن يكون الآب أو الذات الألهية سابقاً للإعلان الإلهي، ولكن بالنسبة لشخص الله لا يوجد سابق أو لاحق.

أكرر: الإنسان عرف الابن بعد سلسلة من الإعلانات الأخرى التي نوهت عنه، ولكن في النهاية أعلن الابن وتمثل بشراً … فالتوقيت يخص الإنسان ولا يخص الله.

الاستنتاج النهائي:

الثالوث الذي أعلنه الكتاب المقدس لنا هو الآب والابن والروح القدس، وهو لم يذكر لنا كلمة ثالوث، ولكنه قدم لنا مفاهيم استدلالية، فعرفنا أن كلمة الله الذي هو فكر الله تمثل بشراً وصار بيننا (يوحنا 1: 14) فهل نستطيع أن نقول ان الذات الإلهيه (الآب) تسبق العقل؟ بالتأكيد هذا ليس منطقياً فبالعقل والفكر الالهي قد تم خلق العالم، وبه أيضا أراد الله أن يعلن ذاته للعالم من خلال التجسد، لذلك يقول: “وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا”

في القديم رأينا الله يريد أن يكون وسط شعبه من خلال خيمة الاجتماع التي تعبر عن الحضور الإلهي وسط الشعب، ولكن هذا الحضور الإلهي كان مجرد ظهور حسي ويمهد لذلك الظهور الحقيقي ليعلن للإنسان طبيعة الله. على فكرة، كلمة “حَلَّ” في عبارة وحل بيننا في الأصل اليوناني هي “خَيَّمَ”.

لا أعرف لماذا التنبير على مسألة الباعث والمبعوث وكأن هناك مشكلة جوهرية. الأمر ببساطة هو التمايز الوظيفي الموجود بين الأقانيم، بينما الجوهر واحد، فلا تمايز في الجوهر.

فنجد مثلاً الآب يُرسِل الابن (يوحنا 5: 37)، والآب والابن يرسلان الروح القدس (يوحنا 14: 26؛ 16: 7)، الروح القدس يمجد الابن (يوحنا 16: 14)، الابن يمجد الآب (يوحنا 17: 4)، والآب يمجد الابن (يوحنا 17: 5)، ويتمجد بالابن أيضاً (يوحنا 11: 4).

فكرة التمايز بين الأقانيم قديمة وموجودة في العهد القديم قبل أن نراها في العهد الجديد. فمثلاً في سفر المزامير يقول المرنم: “قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ».” (مزمور 110: 1) وقد وردت هذه الآية في العهد الجديد في إثبات تفوق المسيح على كل خليقة الله، كالله المتجسد، لا لسبب إلا لأنه أعلى من كل تلك الخليقة فهو خالقها. لاحظ ما جاء في الكتاب “لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ:«أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ»؟ وَأَيْضًا:«أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا»؟ وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ:«وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ». وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ:«الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ». وَأَمَّا عَنْ الابْنِ:«كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِزَيْتِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ». وَ «أَنْتَ يَارَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى». ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ:«اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»؟” (إقرأ العبرانيين 1: 5-13).

لاحظ في هذا النص أن المتكلم هو الله في العدد الخامس، وهو نفسه المتكلم في العدد الثامن عندما يقول عن الابن “كُرسيّك يا أللهُ.”

إذا فلفظ “الابن” لفظ حديث ويتناسب مع إعلان العهد الجديد الذي فيه تم استعلان مجد الله للبشر، فالأمر ليس استحقاقاً أو عدم أستحقاق، ولكن هو الله.

عماد حنا
ماجستير في اللاهوت

الحياة