«احفَظُوا أَنفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ» (يهوذا21)
المقصود بحفظ أنفسنا في محبة الله هو التمتع الشخصـي الواعي بمحبة الله كنصيبنا الأكيد، مهما كان الشـر المُتكاثر حولنا. وهذا يتضمن معرفة الله كما أعلن نفسه لنا في المسيح، والشـركة معه على هذه الصورة. وهو ملجأ النفس وحصنها الحصين كلَّما اشتد الظلام وازدادت المتاعب والمضايقات. فالأُمم قد تتقاتل، ونذر الحرب قد تدوي من كل حدب وصوب، والمسيحية الإسمية قد تكون سائرة في مراحل الارتداد المُتعددة، ولكن مخبأ النفس وسط منازعات الأُمم وانقسامات الكنيسة، هو محبة الله غير المتغيّرة. ويستطيع الإيمان أن يهتف في غير شك أو ريب قائلاً: هذه هي محبته لي التي بسببها لم يدخر شيئًا، ولم يُمسك عني حتى ابنه الوحيد، لكي أطهُر من جميع خطايايّ، وأنال الحياة الأبدية، واتمتع بمحبته الكاملة الأبدية. ومهما حدث في تاريخ الكنيسة أو تاريخ إخوتنا، فالرب هو هو لا يتغيَّر، والنفس التي تبقى أمينة صادقة وسط الفشل العام، لن تجد تغييرًا أو تبديلاً في ملجأها الأمين؛ محبة الله الثابتة غير المتغيرة.
طعام وتعزية
ولكن علينا قبل كل شيء أن نعرف الله لنعرف محبته «لأَنَّ المحَبَّةَ هيَ من الله، وكُلُّ مَن يُحبُّ فقَد وُلِدَ من اللهِ ويَعرِفُ اللهَ. ومَن لا يُحِبُّ لَم يَعرفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ محَبَّةٌ» ( 1يو 4: 7 ، 8). إن الطبيعة الإلهية هي المحبة، والمؤمن صار شريكًا في هذه الطبيعة. فعلينا أن نملك الطبيعة التي تُحبّ، لكي نعرف ما هي المحبة «كُلُّ مَن يُحبُّ فقَد وُلِدَ من الله ويَعرفُ اللهَ»، فالابن يجب أن يكون من نفس الطبيعة كأبيه. وهذا حق فيما يتعلَّق بجميع المولودين من الله. فنحن شركاء الطبيعة الإلهية أدبيًا، وهي الطبيعة التي من خواصها المحبة والنعمة والسلام والقداسة والرحمة والصبر وطول الأناة والرأفة .. إلخ. هذا هو الحق الأساسي المطلوب معرفته إذا أردنا معرفة الله كملجأنا وموضوع بهجتنا.
ليتنا نُعطي انتباهًا خاصًا لهذا الحق العظيم الذي هو من حقوق أولاد الله وامتيازاتهم الأساسية. إن الحياة الأبدية التي كانت عند الآب قد أُظهِرت وأُعطِيت لنا، وبهذا صرنا شركاء الطبيعة الإلهية. ومن شأن هذه الطبيعة العاملة فينا بقوة الروح القدس بالشركة مع الله الذي هو مصدرها، أن تضعنا في هذه العلاقة بالله؛ نثبت فيه وهو فينا.
حينما نُدرك هذه الحقائق العميقة الغنية ببركاتها يُمكننا عندئذٍ أن ندرك قوة وقيمة تحريض يهوذا «احفَظُوا أَنفُسَكُم فِي محبَّة الله».