«تذمَّرَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْكَتبَةُ قَائِلِينَ: هَذا يَقْبَلُ خطَاةً وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ!» ( لوقا 15: 1 ، 2)
لقد نجمَت مشكلة مخصوصة من مُخالطة المسيح لعشارين مثل زكا (لو19)، ومتَّى (مت9)؛ فإن كل مواطن مُخلِص للأُمة اليهودية، اعتبر احتلال روما لأرض الآباء أمرًا مَقيتًا، وكانت واحدة من المُجادلات الدينية الكبيرة يومذاك عن حق روما في استيفاء الضرائب، وهل يجب على اليهود أن يدفعوا تلك الضـرائب ( مت 22: 15 – 22). وكان أيُّ يهوديَّ يقبل وظيفة جباية الضرائب الرومانية من إخوانه اليهود، يُعدُّ خائنًا لوطنه ودينه وبني قومه. ثم إن العشارين إذ كان لهم حقُّ تحديد الضرائب اعتباطيًا إلى حدٍّ ما، أمكنهم أن يصيروا أغنياء بجباية رسوم إضافية لم يكونوا مُضطرين إلى تسليمها لروما. ولذلك كان العشارون مشهورين بكونهم فاسدين ومكروهين على وجه العموم. فكانوا منبوذين تمامًا، ومُعتبَرين أدنى الخطاة جميعًا. ومن ثمَّ فاجأ المسيح المجتمع كله، وأغضَب القادة الدينيِّين خصوصًا، لمَّا مدَّ يد الصداقة لأُناسٍ كهؤلاء. أضف أن المسيح لم يُخالِطهم فقط بطريقة غير رسميَّة عن بُعد، حيث كان يكرز فجاؤوه كي يسمعوا، بل أكل معهم؛ لقد جلس إلى موائدهم. وفي حضارة ذلك الزمان، كان التَّمتُّع بتناول الطَّعام مع شخصٍ ما، امتيازًا مُتاحًا فقط للأصدقاء والأقرباء والرؤساء. وكان تناول الطعام مع الخُطاة مُساويًا للموافقة والقبول.
ومن ثمَّ، فبالنسبة إلى النُّخبة الدينية في ذلك الزمان – وقد أسخَطهم أصلاً إغفالُ المسيح إعطاءهم نوع من التوقير العلَنيِّ الذي كانوا توَّاقين إليه – بدا هذا التـصرُّف كأنه التُّهمة التامَّة التي بها قد يُحرِجونه في الأخير: ”أنه في صداقة مع جُباة الضـرائب والزواني والمنبوذين؛ شعب إبليس. فها هنا برهان قاطع على كونه ليس من الله: إنه صديقٌ للخُطاة، ومُحبٌّ للعشَّارين“.
ولكن ثمَّة فارقًا مهمًّا لا بدَّ من إيضاحه هنا: أن المسيح لم يُصادق الخُطاة ولا التمس مُخالطتهم في خطيَّتهم. إنه «قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ» ( عب 7: 26 )، ومُبادراته نحو الخطاة كانت دائمًا في سياق السَّعي إلى خلاصهم، إذ عرض عليهم نعمته ورحمته، وقدَّم لهم غفرانه. لقد شفاهم، وطهَّرهم، وحرَّرهم من سجن المذنوبية والخِزي. صحيح أن المسيح صادَق الخُطاة، ولكنه فعل ذلك دائمًا بصفته مُحرِّرهم. لقد خدمهم، ومدَّ إليهم يد العون، واستلَم زمام حياتهم. وهو لم يؤيِّدهم في خطيَّتهم، بل على العكس تمامًا: لقد بذل ذاته كليًّا لأجلهم كي يُحرِّرهم من عبودية الخطية القاسية.
جون ماك آرثر – طعام وتعزية