“أما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصلِ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك” (مت 6: 6 )
المقصود بدخول المخدع، هو أن تبعد كل واحد من فكرك، ولا تنشغل إلا بأبيك الذي أنت في حضرته. واغلق الباب خلفك يعنى أن تعزل في الخارج كل مشغولية بأي شيء وبأي إنسان وتنفرد مع الله وحده لتسكب قلبك قدامه.
وفى العهد القديم ورد التحريض لشعب الله “هلم يا شعبي ادخل مخادعك وأغلق أبوابك خلفك. اختبئ نحو لحيظة حتى يعبر الغضب” (إش 26: 20 ) . وأعتقد أن هذا القول الكريم بالوحي كان في فكر المسيح وهو يحرّض تلاميذه بالدخول إلى المخدع وإغلاق الباب خلفهم ليصلـّوا إلى أبيهم الذي يرى في الخفاء ويجازى. إن غلق الباب معناه إنك ما عُدت تتعامل مع المنظور، بل مع غير المنظور. لكن ما قيمة الدخول إلى المخدع وغلق الباب خلفك، إذا كنت وأنت في هذا المكان المستتر لازلت تفكر في الناس الذين لاحظوا دخولك لتصلى، وكيف أنهم سيعرفون إنك رجل صلاة؟!
ليس أن وجودك في مخدع حرفي بلا قيمة، فلا شك أنه امتياز أن يتوفر لك هذا المكان الذي تتمتع فيه بالخلوة مع الله. وإذا كان سجودنا يُسمّى في العهد الجديد الدخول إلى الأقداس، وإذا كانت صلاتنا تُسمّى الاقتراب إلى عرش النعمة، وهو بعينه كرسي الرحمة أو غطاء التابوت داخل قدس الأقداس، فكيف كان هذا المكان في العهد القديم؟ لقد كان مكاناً معزولاً من كل الجهات عن العالم الخارجي. هكذا ينبغي أن يكون وضعنا ونحن نقترب من الله.
فحسن أن يكون لك خلوتك في مكان بعيد عن الناس وعن الضوضاء، في الحقل كاسحق، أو على سطح المنزل كبطرس، أو في موضع خلاء أو فوق أحد الجبال كربنا يسوع المسيح (تك 24: 63 ؛ أع10: 9؛ لو5: 16، 6: 12…) لكن يظل قصد الرب الحقيقي أبعد من مجرد ذلك الشكل الخالي من المضمون. إنه يهمه في المقام الأول حالة القلب.
ادخل إلى مخدعك إذاً وابعد الكل عن تفكيرك وأنت في محضر الله. وثق أنك إذا أغلقت الباب خلفك، سيفتح الرب لك باب السماء في وجهك. وإذا انشغلت به وحده سيصغي هو إليك. وإن “ألقيت التبر على التراب وذهب أوفير بين حصا الأودية .. حينئذ تتلذذ بالقدير وترفع إلى الله وجهك. تصلى له فيستمع لك” (أى22: 23-27) .
جمعية خلاص النفوس