“وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر” (1:20).
قال الملاك: “… يسوع المصلوب، ليس هو ههنا لأنه قام كما قال” (متى 28: 5 و6).
اليوم عند اليهود يبدأ الساعة السادسة مساء بتوقيتنا، ولمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال من مساء الأربعاء حتى مساء السبت… في أسبوع الفصح ساد الظلام في أفق حياة تلاميذ المسيح…
ظلام الهزيمة، فقد ظنوا أن سيدهم هزم حين أخذه اليهود والرومان وصلبوه… وظلام الشك الذي ملأ قلوبهم من جهة حقيقته، وظلام الحزن على فراق ذاك الذي عزاهم، وأراح قلوبهم، وملأ حياتهم سلامًا أثناء وجوده معهم…
لكن بعد نهاية السبت قام المسيح… وخرج من قبره والقبر مغلق، فلم يكن بحاجة أن يرفع الملائكة الحجر عن قبره ليخرج منه، وعندما نزل ملاك الرب من السماء ودحرج الحجر عن باب القبر، فعل ذلك ليثبت أن المسيح قام وأنه ليس في القبر… وبقيامة المسيح أعلنت السماء هزيمة الظلام… وحديث هذه الرسالة سيرتكز في معنى قيامة المسيح، إن قيامة المسيح أكدت:
أولا: أنه هو الذي صلب على الصليب:
عند ظهر المسيح لتلاميذه بعد قيامته “وقف في وسط وقال لهم سلام لكم، ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه” (يوحنا 19:20)، لقد قصد المسيح بان يتأكد تلاميذه تماما أنه هو الذي صلب على الصليب، ولذا أراهم يديه ليروا فيها آثار ثقوب المسامير، وأراهم جنبه ليروا فيه آثار الحربة التي طعنه بها أحد العسكر.
ثانيًا: صدق نبوات العهد القديم ونبوات المسيح:
تنبأ داود عن قيامة المسيح فقال:”لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، لن تدع تقيك يرى فسادًا” (مزمور10:16).
وقد أعلن بطرس في خطابة لليهود يوم الخمسين أن هذه النبوة تمت حرفيًا في المسيح “أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا” (أعمال31:2). وأعلن أن “يسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك” (أعمال32:2).
كذلك تنبأ عن موته ودفنه وقيامته فقال: “لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون أبن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال” (متى40:12)، وقال أيضًا “أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرًا ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل. وبعد ثلاثة أيام يقوم” (مرقس31:8)، وقد صُلب المسيح، ودُفن، وبقي في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، من مساء الأربعاء في أسبوع الفصح حتى مساء السبت، فالمسيح لم يصلب يوم الجمعة بل صُلب يوم الأربعاء وبقي في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال كما قال، وقام بعد انتهاء يوم السبت، لقد أكدت قيامة المسيح صدق النبوات.
ثالثًا: أنه ابن الله وأعلنت أن الله جامع في وحدانيته:
أعلن بولس الرسول هذا الحق بكلماته: “بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله. الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة، عن ابنه، الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربنا” (رومية1: 1-4).
أعلن بولس عبوديته للمسيح، وأعلن أنه مفرز لإنجيل الله، وأن هذا الإنجيل هو ما وعد به الله بأنبيائه في العهد القديم، وأن قيامة المسيح أعلنت بقوة الروح القدس أنه ابن الله، وأن يسوع المسيح هو ربنا.
في هذه الآيات المضيئة:
نرى الآب الذي وعد بتقديم الابن ذبيحة لأجل خطايا الآثمين والذي أقامه من الأموات.
ونرى الابن الذي أعلنت قيامته حقيقته، والذي أقام نفسه (يو2: 12-18).
ونرى الروح القدس الذي أعلن بقوة أن قيامة المسيح أكدت حقيقة كونه ابن الله.
فقيامة المسيح أعلنت بما لا يدع مجالا للشك أنه ابن الله الأزلي.
وقد هتف توما الرسول – الذي ملأه الشك في حقيقة قيامته – بعد أن رأى آثار المسامير في يديه، وأثر الحربة في جنبه، وتأكد من قيامته قائلا له: “ربي وإلهي” (يوحنا 28:20) وقَبَل المسيح اعترافه.
رابعا: أكدت هزيمة الموت وأنارت الحياة والخلود:
إن لم تكن هناك قيامة من الموت وحياة أبدية، فحياتنا الأرضية يمكن أن ينطبق عليها ما قاله شكسبير، “قصة ترويها عجوز شمطاء جالسة إلى جوار النار”، لكن الله جعل الأبدية في قلب الإنسان كما قال الملك سليمان: “قد رأيت الشغل الذي أعطاه الله بني البشر ليشتغلوا به. صنع الكل حسنًا في وقته وأيضًا جعل الأبدية في قلبهم التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية” (جامعة 3: 10 و 11).
الأبدية هي تفسير الوجود كله… تفسير مآسي الوجود… وأحزان الوجود… وكوارث الوجود… وسر الوجود “فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت” (1كورنثوس 12:13).
وقيامة المسيح أكدت هزيمة الموت، وأنارت لنا الحياة والخلود، ولهذا كتب بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: “فلا تخجل بشهادة ربنا، ولا بي أنا أسيره، بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله، الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل” (2تيموثاوس1: 8-10). فبعد أن يتحلل الجسد الذي تعيش فيه ويعود إلى التراب الذي صنع منه، ستكون هناك قيامة، وستختلف قيامة المؤمنين بالمسيح المغسولين بدمه عن قيامة الأشرار… فالمؤمنون بالمسيح سيقومون بجسد كالجسد الذي قام به المسيح من الأموات.
“فإن سيرتنا نحن هي في السموات، التي منها أيضا ننتظر مخلصنا هو الرب المسيح، الذي سيغير شكل تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء” (فيلبي3: 10و21).
تحدّث بولس عن الجسم الذي سيقوم به المؤمنون بالمسيح المصلوب، فقال: “هكذا أيضا قيامة الأموات، يزرع في فساد ويقام في عدم فساد، يزرع في هوان ويقام في مجد، يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحانيًا… الإنسان الأول من الأرض ترابي، والإنسان الثاني الرب من السماء، كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا، وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي” (1كو15: 42-49).
هذا هو رجاء المؤمنين الحقيقيين، الذين آمنوا قلبيا بالرب يسوع المسيح نالوا خلاصه، وهذا الرجاء هو سر فرحهم وقوته، لأنه “إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس” (1كورنثوس 19:15).
ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وبقيامته أنار لنا الحياة والخلود، فلنهتف من قلوبنا بفرح عظيم قائلين: “المسيح قام… بالحقيقة قام”.