الخشبة التي تنقذ من الموت! (3)

رابعاً ولكن من الذى صلب وقتل المسيح؟
عزيزي القارئ لا تتعجب عندما أقول لك أن القرآن يقول أن الله هو الذى صلب المسيح وقتله بحسب نصوص القرآن، ولدينا شاهدين واضحين على هذا الأمر:
الشاهد الأول:
ما ورد فى (سورة أل عمران 3 : 55):” إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”.
ومنه نلاحظ الفعل المضارع “مُتَوَفِّيكَ” واضح ولا يحتاج إلى تفسير, ولكن كتب التفاسير وعلماء المُسلمين يفسرون هذا الفعل من الوفاة والموت إلى “الرفع”, والباحث الأمين يجد أن النص قد جاء مشتملاً على فعلين منفصلين لكل منهما معنى مختلف, بل أن كل منهما له عمل مختلف عن الآخر:
الفعل الأول: “مُتَوَفِّيكَ”،
الفعل الثانى: “رَافِعُكَ”،
و هنا نجد أن الفعل الثانى جاء مؤكداً على أن الفعل الأول إنما هو بمعنى الوفاة وليس الرفع، ولا مجال هنا على الإطلاق لتأويل هذا الفعل أو تغير عمله الحقيقى فالوفاه تعنى الوفاة، والوفاة محددة المعنى فهى الموت, ولا تعنى الحياة أو الرفع فبالوفاة تنتهى حياة الإنسان وترجع الروح إلى بارئها.. ولو قبلنا برأى علماء الإسلام من أن الفعل جاء بمعنى الرفع على سبيل الفرض لكان النص كالتالى:
“إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي رَافِعُكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ..” وهذا لا يجوز ولا يستقيم مع قواعد اللغه العربية , والتى هى سر إعجاز القرآن, كما تحدث محمد فى أحاديثة, فلا يجوز مجئ فعلين متتابعين لزمن واحد فى جملة واحدة..
والتفسير المنطقى لكلمة “متوفيك”هى مميتك وقابضك..
+ يقول بن عباس و وهب بن منبه و ابن أسحاق و أبن أنس وغيرهم فى تفاسيرهم:
” بأن الوفاة بمعنى القبض والموت”.
+ قال وهب:
“توفي ثلاث ساعات ثم رفع إلى السماء”.
+ قال محمد بن اسحاق:
“توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه”.
+ قال البيضاوي فى تفسيره:
“قيل أمانة الله سبع ساعات ثم رفعه إلى السماء.. وقال أيضاً: “التوفي أخذ الشيء وافياً، والموت نوع منه”.
+ أما الزمخشري فقد قال:
“إني متوفيك معناه: مستوفي أجلك المسمى”.
+ يقول بن كثير فى تفسيره للنص عن أدريس:
“أن المسيح مات ثلاثة أيام ثم بعثه الله”.
+ القاموس المحيط – للفيروزآبادي– تحقيق محمد نعيم العرقسوسي – مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان – 1998 – صفحة 1343″.
الوفاة: الموت.. وتوفاه الله: قبض روحه.
+ لسان العرب – لإبن منظور – نخبة من الأساتذة المتخصصين – دار الحديث – القاهرة – مصر – 2003 – المجلد التاسع – صفحة 364″.
والوفَاةُ: المَنِيَّةُ.. والوفاةُ: الموت.. و تُوُفِّي فلان و تَوَفَّاه الله إذ قبض نَفْسَه, و في الصحاح: إذ قبض روحه, وقال غيره: توفِّي الميت إستيفاء مدته التي وفيت له وعدد أيامه وشهوره وأعوامه في الدنيا..

و معني هذا – بحسب قواميس اللغة العربية – إن الوفاه التي بيد الله هي الموت ولا مجال لأي إفتراضات أخري, أما القتل الذي إفتري به اليهود علي المسيح فهو بيد الإنسان و ليس بيد الله.. بمعني إن الإنسان يقتل أما الله فهو الذي يتوفي..

الشاهد الثاني:
“وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي {توفيتني بصيغة الماضى أى مات وقام ويتكلم مع الله} كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)” (سورة المائدة 5 : 116 – 118).

و فيه نجد عيسى يقول “فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي”، لأى تكلم بصيغة الماضى، والفعل الماضى فى اللغة العربية يفيد وقوع حدث والإنتهاء منه، وفى النص يعلن كاتب القرآن عن موت المسيح قد حدث و يتكلم لأنه قام من الأموات، ويتكلم مع الله.
وأيضاً يقول المسيح عن نفسه:
“وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ {وهنا الموت قبل البعث} وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)” (سورة مريم 19 : 33 – 34).
وفيه يتكلم المسيح عن نفسه بأنه سوف يموت، وتمهيد لتعريف الناس وإعلانهم أنه سوف يقتل, حتى تتهيئ الأذهان لذلك الحدث الجلل, الذى سوف يحدث فلا يوجد شك وهذا التأكيد المستقبلى واضح فى نصين هما:
1 – يقول إله القرآن عن يحيى بن زكريا:
” وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا” (سورة مريم 19 : 15).
2 – يقول عيسى عن نفسه:
” وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا” (سورة مريم 19 : 33).

وهناك شاهد ضمني يقول فى (سورة البقرة 2 : 87): “وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ”.

خامساً ولكن هل رفع الله مسيح القرآن قبل موته أم وهو نائم؟
هل الله رفع إليه عيسى وهو نائم وهل مازال عيسى نائماً عند الله إلى الأن، ولذلك فان المقصود بالتوفى هنا هو الموت وليس النوم والدليل على ذلك انه جاء فى (سورة مريم 19 : 31) على لسان عيسى:
“وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا”.. تنفيذا لتلك الوصية الإلهية لعيسى يتحتم علية دفع الزكاة مادام حياً إلا اذا كان يقوم بدفع الزكاة فى السماء وطبعاً من غير المعقول وجود دفع زكاة فى السما..

ولكن الاعتراض ان البعض يقول ان التوفي يعني الراحة أو النوم، والباحث فى القرآن يجد أن كلمة “الوفاة” قد وردت في القرآن 25 مرة جاءت كلها بمعنى (الموت) ولكن في آيتين فقط جاءت الوفاة بمعنى “النوم” وهما:
الآية الاولى:
جاءت فى (سورة الانعام 7 : 60):
“وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ {الموت الأصغر} وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”..
الآية الثانية:
فى (سورة الزمر 39 : 42): “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”..
ونحن نسألك أخي المسلم أن تجيب على هذه الأسئلة الهامة:
س: هل تصدق ان النوم هو حالة وفاة يقبض فيها الله الروح ثم يعود يبعثها مرة آخرى قبل الإستيقاظ كما يقول القرآن فى النصين السابقين؟
س: لماذا أراد الله تنويم المسيح أو ما العلة وراء تنويم عيسى؟
س: وهل كان المسيح مصاباً بالأرق وهو الذى قال على نفسه “وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ {وهنا الموت قبل البعث} وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا” (سورة مريم 19 : 33)؟
س: وهل رفعه الله وهو نائماً؟
س : لماذا أنكر كاتب القرآن علي المسيح حق الشهادة في سبيل الله.. أليست قيامة المسيح من بين الأموات أي بعثه حياً، هو تطهير له من الذين كفروا، أي الذين ألصقوا به التهم لقتله؟
فوضحاً أنه فى موضوع المسيح لم يتكلم كاتب القرآن عن الوفاة بمعنى النوم ولكن تكلم عن الوفاة بمعنى القتل فى مسالة “وَقَوْلِهِمْ {أى اليهود} إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ”.. بالفعل اليهود لم يقتلوا المسيح ولم يصلبوه لانهم لم يكونوا اصحاب السلطة والحكم انذاك بل كان اليهود تحت الحكم الرومانى وولاية قيصر..
أنظر الإنجيل فى (لوقا 20 : 20) – (لوقا 23 : 2) – (يوحنا 19 : 15)..
ولكن هم الذين أسلموه للرومان لصلبه وقتله (لوقا 20 : 20).. (يوحنا 11 : 7).. (لوقا 20 : 1).
وقد خيل لليهود وتصوروا انهم قتلوه وأستراحوا عند تسليم المسيح للرومان حيث خيل لهم بذلك انهم هم الذين قاموا بصلبة فهم اصحاب لفكرة ولكن الرومان هم اصحاب تنفيذ الصلب نفسه .
ولو كان المقصود صلب انسان اخر مكان المسيح لقال “ولكن شبه لهم بآخر” ولكن هم تصوروا انهم هم الذين قتلوه ( يوحنا 19 – 6 ) لانهم كانوا يرفضوه ( سورة البقرة 2 : 87 ) .

سادساً : ولكن لماذا أمات الله المسيح بالصلب ؟
يقول القرآن فى (سورة الصافات 37 : 107): “وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ”.. وهو الحل الإلهي ليعود ابن إبراهيم حياً والعجيب أن يتفق المفسرين للاية أن هذا الكبش الأقرن هو نفس الكبش الذى قدمه هابيل ذبيحة وتقبله الله منه..
ويقول بن عباس: “خَرَجَ عَلَيْهِ كَبْشٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْ رَعَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، فَأَرْسَلَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ وَاتَّبَعَ الْكَبْشَ.. الْكَبْشُ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ هُوَ الْكَبْشُ الَّذِي قَرَّبَهُ ابْنُ آدَمَ فَتُقُبِّلَ مِنْهُ”..
أنظر تفسير الطبري – محمد بن جرير الطبري – تفسير سورة الصافات – القول في تأويل قوله تعالى “وفديناه بذبح عظيم” – الجزء الحادي والعشرون – ص 88 – طبعة دار المعارف.
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=50&surano=37&ayano=107
وهنا نسال الأخ المُسلم:
إليس هذا الكبش رمزاً للذبيح العظيم الذى لم يستنكف أن يكون عبداً لله (سورة النساء 4: 172) .. ليموت من أجلك على الصليب لينقذك من الموت الأبدي؟
كيف قام هذا الكبش من الموت بعد أن قدمه هابيل وأحترق ليعيش 40 خريفاً ثم ينزل لفداء بن إبراهيم؟
هل الكبش الذى ذبحه إبراهيم فدوة عن ابنه إسحق هو العظيم؟
إلا تعلم يا أخي أن العظمة لله واحده، وهل يصح أن أخظأت لرئيسك فى العمل تصالحه بتقديم خروف أو تيس؟

وقد يقول احدهم:
ما الحاجة إلى فادي وصليب؟
ولماذا الصليب ولماذا لا يغفر للناس كغفور رحيم دون الحاجة للصليب؟
ونحن نسأل السائل
لماذا يكلف الله النبي نوح ببناء فلك فى ألف سنة إلا خمسين كما يقول القرآن “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ” (سورة العنكبوت 29 : 14) ..ولماذا لم يقل أنه غفور رحيم ويتمم الأمر بدون تجسد وصلب وقتل؟
عندما أخطأ أبونا آدم وسقط نتيجة آختياره الخاطئ للأكل من شجرة معرفة الخير والشر {الشجرة التى أوصى الرب أدم أن لا يأكل منها}.. وسقط محكوماً عليه بالموت الذى آختاره بكامل ذهنه ومشاعره وإرادته، ” لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” (رسالة رومية 6 : 23).. ولأن آدم الذى هو بذرة الشجرة الإنسانية ورأسها أصبح فاسد بفعل الخطية، بل وخميرة الفساد لكل نسله.. لذلك يقول الكتاب أن: “الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.” (رسالة رومية 3 : 12)..
وأذ أن الله عادل ورحيم، والإنسان مدان أمام عدل الله ومحكوم عليه بالموت.. وبمحبته الكاملة وبرحمته يطالب الصفح والغفران للانسان، فأصبحا العدل والرحمة ضدان لا يلتقيان.. وصفات الله متساوية فى عملها لا يغلب أحدهما الأخر..

الأخ مجدي تاد
كنيسة كلمة المصالحة