الكتاب الوحيد الكافي الذي عالج موضوع الصلاة في أي عصر من العصور هو الكتاب المقدس. أما كل ما كتب عنها في غير الكتاب المقدس فيشعرنا بأن هناك أعماقا لا يمكن الوصول إليها، وأعال لا سبيل لبلوغها. ولا ننوي في هذا الكتيب الصغير أن نحسّن أو نـزيد على ما كتبه الآخرون . بل كل ما نستطيعه هو أن نلخص بعض المبادئ الهامة للصلاة، لا سيما تلك المبادئ التي تتصل بالتلمذة الحقة.
1-أفضل الصلوات هي التي تصدر عن حاجة داخلية قوية ملحة وكم اختبرنا جميعا صدق هذا في حياتنا. فعندما تكون حياتنا هادئة ساكنة، تكون صلاتنا ضعيفة فاترة. ولكن عندما نجوز بأزمة، أو نواجه خطرا، أو نقاسي مرضا بالغ الخطورة، أو نجتاز في حزن مرير، تصبح صلواتنا حارة وحيوية ونشيطة. قال أحدهم: “من أراد أن يدخل سهمه في كبد السماء عليه أن يطلقه من قوس منحن تمام الانحناء”. وكذلك فالقلب المنحني المنكسر والشعور بالضعف والحاجة تغمر الصلوات المؤثرة التي تصل إلى أذن الله.
ونحن، مع الأسف،ننفق أفضل أيام حياتنا في الجهاد لتأمين المستقبل والحصول على جميع ضروريات الحياة وكمالياتها، وبالوسائل المتعددة البشرية نحصل على ثروة، ونكدس الأموال، حتى لا نشعر بحاجة لشيء. ثم نسائل أنفسنا بعد ذلك: لم ترى صلواتنا منحلة فاترة؟ ولماذا لا تنـزل نار من السماء؟ لو كنا نسلك حقا بالإيمان لا بالعيان، لتفجرت صلواتنا وتأثرت بها حياتنا.
2-من شروط الصلاة الناجحة أن “نتقدم بقلب صادق” (عبرانيين10: 22 ). وهذا يرينا وجوب الإخلاص والصدق أمام الرب. فنطرد الرياء، ولا نسأل الله أبدا شيئا في مقدورنا نحن نفعله، مثلا لا نسأل الله أن يدبر مبلغا معينا من المال لمشروع مسيحي أن كان عندنا نحن أنفسنا فائض من المال يمكن استخدامه في هذا المشروع. فأن الله لا يخدع ولا يؤخذ على حين غرة. وهو لا يجيب صلاة سبق أن أجابها، ونحن رفضنا ذلك الجواب. ولا يجوز أن نصلي إلى الله ليرسل عمالا لأعمال نأبى نحن القيام بها. كم من الصلوات رفعت طالبة اهتداء البعيدين، غير المسيحيين من بوذيين وهندوسيين ومسلمين ووثنيين وغيرهم! ولو أن جميع أولئك المصلين انطلقوا بإرشاد الرب إلى هؤلاء الناس لاستخدمهم المسيح خير استخدام،ولتغير تاريخ الإرساليات المسيحية وأسفر عن أطيب النتائج المشجعة.
3-لنصّل ببساطة وإيمان أكيد دون ريب. ولا نشغل أنفسنا بالمشكلات اللاهوتية المتعلقة بالصلاة، كي لا تتبلد حواسنا. ولندع علماء اللاهوت يحلون بلاهوتهم المشاكل اللاهوتية المتعلقة بالصلاة، أما نحن فكمؤمنين بسطاء علينا أن نلج أبواب السماء ونقرعها بثقة البنين. قال أغسطينوس: “يغتصب البسطاء السماء ببساطتهم، أما نحن فبكل علمنا لا نسمو فوق اللحم والدم.”
4-أن أردت أن تحصل على قوة الصلاة فلا تحجز شيئا ولا تمنع شيئا، بل سلم الكل تمام التسليم للمسيح، كن له بجملتك. أترك كل شيء واتبع المخلص. الصلاة المشفوعة بالتكريس التام المعترفة بسيادة المسيح وملكه الشامل، هي الصلاة التي يستجيبها الله.
5-يقدر الله الصلاة التي تكلفنا شيئا. فالذين يستيقظون باكرا ينعمون بشركة مع ذلك الذي في الصبح باكرا جدا قام ومضى إلى موضع خلاء،واختلى مع أبيه منتظرا توجيهاته لليوم الذي أمامه. وكذلك الذين بملء أرادتهم يصرفون الليل كله في الصلاة ينعمون بقوة الله التي لا يمكن إنكارها. أما الصلاة التي لا تكلف شيئا فلا تساوي شيئا لأنها “منتوجات” مسيحية رخيصة.
كثيرا ما يربط العهد الجديد بين الصلاة والصوم. فالامتناع عن الطعام يمكن أن يكون مساعدا كبيرا في الرياضات والتدريبات الروحية. وهو من الناحية البشرية يساعد على الصفاء والتركيز وحدّة الذهن. ومن الناحية الإلهية يبدو أن الرب يسرّ خصيصا بالصلاة التي نفضلها عن الطعام الضروري.
6-تجنب الصلاة الأنانية. قال يعقوب في رسالته: تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديا لكي تنفقوا في لذاتكم (4: 3 ) أن الثقل الرئيسي في صلاتنا يجب أن تكون الاهتمام بما للرب. يجب أن نصلي أولا “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” ثم نصلي بعد ذلك قائلين “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم”.
7-يجب أن نكرم الله بأن نطلب منه طلبات عظيمة لأنه إله عظيم. ليكن لنا إيمان ينتظر أشياء عظيمة من الله. فكم أحزنّا الرب بطلباتنا الصغيرة التافهة. كم قنعنا بانتصارات ضئيلة، ورضينا بنتائج حقيرة، وأشواق ضعيفة، لا تمت إلى الأعالي بصلة، لذلك لم ير الذين حولنا أن إلهنا إله عظيم، لم نطبق تعاليمه وإرادته في حياتنا كما يجب ولذلك عجزنا عن أن نمجده أمام الذين لا يعرفونه، فلم نثرهم للتساؤل عن سر القوة التي فينا وبذلك لم يمجدوا الله فينا.
8-علينا أن نصلي حسب مشيئة الله، عندئذ نثق أنه يسمعنا ويجيبنا “وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه أن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمع لنا. وأن كنا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه” (1يوحنا5 : 14و15). الصلاة باسم الرب يسوع معناها أن نصلي حسب إرادته. فعندما نصلي باسمه فكأنه هو يصلي ويقدم الطلبة إلى الله أبيه: “مهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن. أن سألتم شيئا باسمي فأني افعله”(يوحنا14: 13و14). “مهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن. أن سألتم شيئا باسمي فأني افعله” (يوحنا14: 13و14). “وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئا. الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم. إلى الآن لم تطلبوا شيئا باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا “(يوحنا16: 23, 24). “وأقول لكم أيضا أن اتفق اثنان منك على الأرض في أي شيء يطلبانه فأنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السموات. لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم”(متى18: 19, 20 ) أن كنا نطلب باسمه ونصلي باسمه فهذا يعني أنه يمسك أيدينا ويجثو إلى جانبنا فتجري إرادته فينا ويرشدنا إلى مإذا نطلب. هذا معناه أن نصلي باسمه. فاسمه كناية عن شخصه وطبيعته، وبالتالي فالصلاة باسم المسيح معناها أننا نصلي حسب إرادته المباركة. هل يمكن أن نطلب شرا باسم ابن الله؟ إذا صلاتي يجب أن تكون تعبيرا صادقا عن طبيعته. هل أستطيع أن افعل ذلك في الصلاة؟ يجب أن تظهر في صلواتنا نفخة قوة الروح القدس، وفكر المسيح، ورغبات المسيح فينا ولأجلنا. ليت الرب يعلمنا أن نصلي باسمه وحسب مشيئته، وليس فقط أن نختم الصلاة بهذه العبارة: “نطلب هذا باسم المسيح ربنا المبارك”. فهذا لا يكفي فأن الصلاة كلها يجب أن تتشبع وتتشرب باسم المسيح المبارك، وأن تكون حسب ما تقتضيه طبيعة هذا الاسم.
9-إذا أردنا أن ننال نتيجة صلواتنا فعلينا أن نتحاسب مع الله يوما بعد يوم أي يجب أن نعترف بخطايانا ونتركها حالما نشعر أنها دخلت إلى حياتنا. “أن راعيت أثما في قلبي لا يستمع لي الرب”(مزمور66: 18). يجب أن نثبت في المسيح “أن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم”(يوحنا15: 7) فالشخص الذي يثبت في المسيح يمكث بالقرب منه ويمتلئ من معرفة إرادته، يستطيع أن يصلي بذهنه واثقا من الجواب. والمكوث بقرب الرب يدعونا إلى أطاعة وصاياه إطاعة عمياء بل يأمرنا بها: “ومهما سألنا ننال منه لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه” (1يوحنا3: 20). وأن أردنا أن تسمع صلواتنا وتستجاب فعلينا أن نضع أنفسنا بين يديه لتكون مرضية أمامه.
10-لا يجوز أن نكتفي بالصلاة في أوقات معينة محدودة أثناء اليوم، بل علينا أن ننمي في أنفسنا روح الصلاة، فننظر إلى الرب بلا انقطاع ونحن نمشي في الشارع أو نسوق السيارة أو نشتغل في المكتب أو نخدم في البيت. وقد قدم لنا نحميا مثالا عن هذه الصلاة الدائمة التلقائية( نحميا2: 4) فما أحسن أن نسكب في ستر العلي بدلا من أن تكون لنا زيارات متقطعة إليه.
11-أخيرا نصلي لأمور معينة محددة وألا كيف ننتظر الإجابة أن لم يكن الطلب محددا ومعينا.
أن في الصلاة امتيازا عجيبا إذ بها نستطيع_ كما قال هدسون تيار_ أن نحرك الإنسان بواسطة الله. قال: جويت “ما أعظم القوى التي تضعها الصلاة بين أيدينا. وبواسطتها نقوم بمعجزات عظيمة. فأننا نستطيع أن نحمل نور الشمس إلى الأماكن المظلمة الباردة، وأن نضيء مصباح الرجاء في سجن اليأس وأن نحل سلاسل السجناء وقيودهم، وأن نحمل لمحات وومضات وخواطر عن بيتنا السماوي إلى من يجهلونه وأن ننعش الفاترين الضعفاء بنسمات سماوية منعشة ولو كانوا يعملون عبر البحار. هذه بعض معجزات الصلاة”.
وشهد أيضا كاتب يدعى “ونهام” فقال “أن الكرازة موهبة نادرة لكن الصلاة أندر. الكرازة سلاح كالسيف نستخدمه في محيطنا مع الذين هم من حولنا، لكن لا يمكن أن يصل إلى البعيدين. أما الصلاة فمثل بندقية بعيدة المدى، نصل بها إلى الأصقاع البعيدة كما أنها تطيب الأماكن القريبة”.
فالصلاة، يا إلهي تغيِّر شعور نفسي وتفكير ذهني. أن ساعة في حضرته تزيل حملي الثقيل وهمي المضني.
أجثو أمامك ضعيفا حقيرا، واقف جبارا قويا،
لمَ أثقل نفسي بالهموم واحنيها بالأنات
وأنت بقربي تشدد وتعين يا إله البركات
انفخني بروح الصلاة فاذلل كل العقبات
وانتصر على الهموم والكروب والسقطات
فيك تجد نفسي القوة والسرور والبهجة
أنا لك ربي بين يديك.