أهمية حساب النفقة
أخي وأختي في المسيح
عندما نؤمن بالمسيح تبدأ الأسئلة تأتي إلى أذهاننا، هل أشارك عائلتي وأصدقائي عن إيماني؟ ماذا أفعل إن غضبوا وأذلوني أو حتى فضحوا أمري للسلطات التي قد تهدد حياتي؟ ماذا سأقول عندما يسأل أصدقائي لماذا توقفت عن التردد على أماكن اللهو أو العبادة التي كنا نذهب إليها؟ ماذا أفعل بعملي الذي بدأ يهددني كوني أصبحت مؤمنا ً؟ كل هذه الاسئلة هي أسئلة هامة وصحية وعلى المؤمن أن يسألها.
كانت الجموع تتبع يسوع فتوقف ليشرح لهم أهمية حساب النفقة فقال: إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وإمرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً. ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدرأن يكون لي تلميذاً. ومن منكم وهو يريد أن يبني برجاً لا يجلس أولاً ويحسب النفقة هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل فيبتدئ جميع الناظرين يهزاون به قائلين: هذا الإنسان إبتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل. وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولاً ويتشاور: هل يستطيع أن يلاقي بعشرة الآف الذي ياتي عليه بعشرين ألفاً؟ وإلا فما دام ذلك بعيداً يرسل سفارة ويسأل ما هو للصلح. فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً. الملح جيد. ولكن إذا فسد الملح فبماذا يصلح؟ لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً. من له أذنان للسمع فليسمع” (لوقا ١٤: ٢٦ – ٣٥).
إتباع المسيح يحتاج من كل مؤمن أن يقوم بحساب الكلفة شخصياً ولا يستطيع أحد أن يقوم بذلك نيابةً عني وعنك. ولكن إذا تأملنا في كلام المسيح نجد أنه يعطي مثلين أحدهما عن البناء والآخر عن الحرب. الكتاب المقدس يشبِّه الكنيسة بمبنى ونحن أتباع المسيح بحجارة حية لهذا المبنى ” فلستم إذاً بعد غرباء ونزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله، مبنيين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، الذي فيه كل البناء مركباً معاً، ينمو هيكلاً مقدساً في الرب الذي فيه أنتم أيضاً مبنيون معاً، مسكناً لله في الروح” (أفسس ٢: ١٩ – ٢٢)، و” الذي إذ تاتون إليه، حجراً حياً مرفوضاً من الناس، ولكن مختار من الله كريم، كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً، كهنوتاً مقدساً، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح. لذلك يتضمن أيضا في الكتاب -هئنذا أضع في صهيون حجر زاوية مختاراً كريماً، والذي يؤمن به لن يخزى” (رسالة بطرس الاولى ٢: ٤-٦).
كوننا حجارة حية علينا أن نحسب بأنفسنا كلفة وجودنا كجزء في هذا المبنى الحي. ومع أن المسيح دفع الثمن كاملاً إلا أن حياتنا معه ليست بدون حسابات ومجرد مشاعر لأن الخسارات ستكون خسارات حقيقية. لذلك نجد المسيح يقول أن أحد متطلبات إتباعه هو حمل الصليب يومياً. الصليب كان أداة تعذيب وآلام ومعنى حمل الصليب من أجل المسيح أنه سيتأتى علينا ان نواجه الآلام وربما الموت إذا اتبعنا المسيح. فهل نحن مستعدين؟ ما نوع الآلام التي قد نواجهها؟ أنظر إلى الأشياء التي يجب أن نحب المسيح أكثر منها ونكون مستعدين أن نخسرها بسبب إتباع المسيح:
١- علاقتنا مع والدنا ووالدتنا.
٢- علاقتنا مع الزوج أو الزوجة والأولاد.
٣- علاقتنا مع إخوتنا وأخواتنا.
٤- رزقنا
٥- أنفسنا.
المسيح علمنا أهمية المحبة حتى لأعدائنا فلماذا يقول أن نبغض أحبائنا؟ واضح جداً من النص أن المقصود ليس الكراهية بل أن نكون مستعدين على التضحية بهذه العلاقات وحتى بأنفسنا إن إتبعنا المسيح. وهذه التضحية لا يكون عادة مصدرها المؤمن، بل ما يفرضه المجتمع على المؤمن. الكتاب واضح مثلاً بالنسبة للزوج او الزوجة غير المؤمنة كيف يجب معاملتها “إن كان اخ له إمرأة غير مؤمنة وهي ترتضي أن تسكن معه فلا يتركها. والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي أن يسكن معها فلا تتركه… ولكن إن فارق غير المؤمن فليفارق. ليس الأخ أو الأخت مستعبداً في مثل هذه الأحوال. ولكن الله قد دعانا في السلام. لأنه كيف تعلمين أيتها المراة هل تخلصين الرجل؟ أو كيف تعلم أيها الرجل هل تخلص المرأة؟” (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ٧: ١٢-١٣ و ١٥-١٦).
إذاً المقصود هنا ليس أن نكره عائلاتنا بل أن نكون مستعدين أن نخسر علاقاتنا معهم بسبب إتباعنا للمسيح وأن نتحمّل الآلام إلى درجة التضحية بأنفسنا من أجل المسيح. أما إذا كانت عائلاتنا ترضى بنا كما نحن، فعلينا أن نلتزم بسلوكنا المسيحي والسير في خطى المسيح فيكون لحياتنا طعم ونكهة تختبرهما العائلة لما هو في خيرها. هذا سبب ذكر المسيح للملح في هذا المثال. علينا أن نجعل حياتنا المسيحية تكون شهادة أكثر من أي كلام عما فعله الرب بحياتنا وخلصنا.
ثاني مثال يعطيه المسيح هو الإستعداد للحرب. عندما نؤمن بالمسيح ننتقل إلى الصف المضاد في المعركة الروحية. فبعد أن كنا أبناء إبليس ونعمل مشيئته إنتقلنا إلى جبهة عدو إبليس (اي المسيح) وأصبحنا نقاوم إبليس في صف المسيح. لذلك يقول الكتاب عن غير المؤمنين “فقال لهم يسوع: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني، لأني خرجت من قبل الله وأتيت. لأني لم آت من نفسي، بل ذاك أرسلني لماذا لا تفهمون كلامي؟ لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي. أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب. وأما أنا فلأني أقول الحق لستم تؤمنون بي” (يوحنا ٨: ٤٢ – ٤٥). حياتنا المسيحية تتضمن حرب دائمة ليس مع لحم ودم بل هي حرب روحية غير مرئية وهي تُختبرُ فعلياً بعد الولادة الروحية والتخلص من عبودية إبليس والخطية التي إستعبدنا من خلالها. وفي هذا يقول الكتاب “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات. من أجل ذلك إحملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا” ( الرسالة إلى أفسس ٦: ١٢-١٣).
إذاً، عند قبولنا للمسيح سندفع ونتحمل الكثير ولهذا نحن مدعوون لحمل الصليب يومياً والسير وراء المسيح.
عند إعلان المسيح عن نفسه أنه سيقدم جسده ودمه كي يمنحهم حياة أبدية تضايق الكثير ممن كانوا يسيرون وراءه وقالوا: “إن هذا الكلام صعب! من يقدر ان يسمعه؟
فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا، فقال لهم: أهذا يعثركم؟ … ولكن منكم قوم لا يؤمنون.
لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون، ومن هو الذي يسلمه.
فقال: لهذا قلت لكم أنه لا يقدر أحد أن ياتي إلي إن لم يعط من ابي.
من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للإثني عشر: ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا؟” (يوحنا ٦: ٦٠-٦١ و ٦٤-٦٧).
السؤال الذي وجهه المسيح للتلاميذ الذين إستمروا معه موجه لكل واحد منا فعلينا أن نحسب حساب النفقة ونجيب عليه.
نستودعكم بين يدي القدير ونصلي ان يبارككم الرب ويقود خطاكم