تتوقف التلمذة على الإيمان الصادق العميق بالله. فمن أراد أن يقوم بأعمال عظيمة جبارة لله عليه أن يثق فيه ثقة تامة.فأن “كل رجال الله العظام كانوا دائما وأبدا أناسا ضعفاء قاموا بأعمال عظيمة لله لأنهم اعتمدوا على الله المساند لهم، كما قال هدسون تيلر.
يؤسس الإيمان الحقيقي دائما على وعد من مواعيد الله أو على فقرة من الكتاب المقدس. هذا أمر على جانب كبير من الأهمية، فالمؤمن يقرأ أو يسمع وعدا ما من الله، فيأخذ الروح القدس ذلك الوعد ويطبقه في قلبه وضميره، فيدرك المسيحي أن الله قد كلمه مباشرة. وبثقة تامة في الذي وعد وهو أهل لكل ثقة، يحسب المؤمن أن الوعد مؤكد ومضمون كما لو كان قد تم فعلا، ولو أنه يبدو مستحيلا من وجهة النظر الطبيعية.
ولعلّ المؤمن يتأثر بوصية وليس بوعد ولا فرق بين الحالتين. فأن كان الله يأمر، فهو يمكّننا من إتمام الأمر. فإذا أمر بطرس أن يمشي على الماء فلبطرس أن يتأكد من نوال القوة التي يحتاج إليها لذلك (متى14: 18). وهكذا هي حالنا فإذا أمرنا أن نكرز بالإنجيل للخليقة كلها فلنا أن نتأكد من نوال النعمة التي نحتاج إليها لذلك.
والإيمان لا يتمم عمله في دائرة الممكن، فلا مجد لله في إتمام ما يمكن إتمامه بشريا. إنما الإيمان يبدأ حيث تنتهي قوة الإنسان أو كما قال جورج مولر “أن دائرة الإيمان تبدأ حيث تنتهي الممكنات وحيث يفشل العيان والحس ” يقول الإيمان “أستطيع أن أتمم كل مستحيل”. قال ماكنتوش: “الإيمان ينـزل الله إلى دائرة العمل، ولذلك لا يصعب عليه شيء، لا بل هو يهزأ بالمستحيلات. يرى الإيمان أن الله يحل كل مشكل وكل صعوبة، أنه يضع كل أمر أمام الله فلا يهم الإيمان في كثير أو قليل أن كان المطلوب ستمائة ألف ليرة أو ستمائة مليون. فأنه يعرف أن الله قادر على كل شيء وهو يسد كل اعوازنا. أما عدم الإيمان فيسأل: كيف يمكن هذا وكيف يمكن ذاك؟ هو مملوء تساؤلات. أما الإيمان فله الجواب الأعظم الأوحد الألف كيف وكيف، وذلك الجواب هو الله “.
يستحيل بشريا، أن ينجب إبراهيم وسارة ابنا، لكن الله وعد، ويستحيل عليه_بالنسبة لإبراهيم_ أن يكذب. “فهو على خلاف الرجاء آمن على الرجاء لكي يصير أبا لأمم كثيرة كما قيل هكذا يكون نسلك. وإذ لم يكن ضعيفا في الإيمان فلم يعتبر جسده وهو قد صار مماتا إذ كان ابن نحو مئة سنة ولا مماتية مستودع سارة. ولا بعدم إيمان ارتاب في وعد الله بل تقوى بالإيمان معطيا مجدا لله . وتيقن أن ما وعد به هو قادر أن يفعله أيضا”.
أن الإيمان القوي، يرى الوعد، ويتطلع إلى الله وحده ويهزأ بالصعوبات، ويصيح قائلا “لا بد أن يتم “.
إلهنا إله في أجراء المستحيلات (لوقا1: 37) لأنه “هل يستحيل على الرب شيء ” (تكوين 18: 14) كلا! بل أن “غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله”.
يتمسك الإيمان بالوعد ويقول “كل شيء مستطاع للمؤمن” (مرقس 9: 23) ويهتف مع بولس قائلا: “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (فيلبي4: 13).
“الشك يرى الصعوبات، أما الإيمان فيرى الطريق: الشك يحدق بالليل، أما الإيمان فيرى النهار، الشك يخاف أن يخطو خطوة، أما الإيمان فيحلّق في الأعالي، الشك يتساءل: من يصدق هذا؟ فيجيب الإيمان: أنا.”
ولأن الإيمان يعني خرق الأنظمة الطبيعية وتصديق الله لذلك يبدو غير معقول. ليس من المعقول أن يخرج إبراهيم وهو لا يعلم أين يتوجه لكنه صدق وعد الله وأطاع أمره. وحسبه هذا (عبرانيين11 :8 ). وليس من الذكاء أن يهجم يشوع على أريحا بدون أسلحة قتالة (يشوع 6: 1-20 ). فأهل العالم يضحكون على مثل هذه المغامرات الجنونية، لكنها أثبتت معقوليتها وتممت مأموريتها.
والحق يقال أن الإيمان هو عين المعقول. أليس من الصواب أن يثق المخلوق في خالقه؟ هل من الجنون أن نؤمن بمن لا يمكن أن يكذب أو يتخلى أو يخدع؟ الثقة في الله هي الأمر المعقول، المنطقي، المقبول الذي يمكن أن يفعله الإنسان. فهو ليس قفزة في الظلام بل أنه يتطلب أقوى تأكيد وأعظم برهان، فيجد هذا التأكيد وهذا البرهان في كلمة الله التي لا تسقط. وما أحد وضع ثقته في الله وخاب قط، ولن يخيب أحد يفعل ذلك فالإيمان بالله لا تحدق به آية مخاطرات على الإطلاق.
الإيمان يمجد الله، ويضعه في مكانه الصحيح، لأنه أهل للثقة التامة دون سواه.أما عدم الإيمان فيهين الله، إذ يتهمه بالكذب (1يوحنا5 : 10 ) ويحد الإله القدوس(مزمور78: 41) والإيمان يضع الإنسان أيضا في مكانه الصحيح كمعتمد على الله متضع أمامه، ينحني فوق التراب أمام الرب سيد الجميع.
الإيمان عكس العيان. يذكّرنا بولس الرسول بقوله “لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان” (2 كورنثوس 5: 7 ). والسلوك بالعيان معناه الاعتماد على وسائل منظورة والاستعانة بها، وتدبير احتياطات للمستقبل، واستخدام المهارة البشرية في عمل الضمانات ضد الأخطار غير المنظورة. أما السلوك بالإيمان فهو عكس ذلك. هو الاعتماد على الله وحده في كل لحظة. هو اتكال مستمر على الرب. فالجسد ينفر من موقف الاتكال الكامل على إله غير منظور، ويحاول أن يجد له وسادة يستند إلها ضد الخسائر المحتملة، وفي عدم استقراره يتعرض الانهيارات العصبية، لكن الإيمان يقفز بخطى ثابتة إلى الأمام أطاعة لكلمة الله، ويسمو فوق الظروف، واثقا أن الرب يهتم بكل الاحتياجات.
ولابد الله أن يجرب إيمان كل من تلاميذه فيجد – عاجلا أم آجلا – أن موارده البشرية قد بلغت نهايتها وانقطعت تماما. وفي ضيقه المرير يحاول أن يلجأ إلى رفقائه وأصدقائه. وأما إن كان يثق بالرب حقا فيتطلع إلى الرب وحده.
إني أهين الرب وأخدعه إذا أعلنت احتياجاتي لأصدقائي مباشرة أو غير مباشرة منتظرا معونتهم فكأني أصرح أن الله قد تركني وخيب أملي فأكون بذلك قد حدت عن الينبوع الحي لألتجئ إلى آبار مشققة، ولا ضع نفسي بين يدي المخلوق دون الخالق فأخسر بركات الرب وعطاءه وأسلبه مجده وعظمته.
يجدر بكل تلميذ أن يطلب زيادة إيمانه (لوقا17 :5). فغليه بعد وضع ثقته في المسيح، أن يسعى إلى مدها إلى سائر نواحي الحياة وإخضاعها لسلطانه وأمرته. ففيما هو يواجه المرض، والتجارب، والمآسي والأحزان، يتسنى له أن يعرف الله بطريقة جديدة واختبار أعمق وبهذا يتقوى إيمانه. وحينئذ “لنعرف فلنتتبع لنعرف الرب” (هوشع 6: 3 ) وكلما زادت معرفته في قوة الله وقدرته، تاق إلى مزيد من الثقة فيه للتغلب على أمور عظيمة.
وحيث أن الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله، فأن أقصى ما يتمنى التلميذ ينبغي أن يكون إشباع نفسه بالكتاب المقدس فيقرأه ويدرسه ويحفظه، ويلهج فيه نهارا وليلا فهو خارطته ودليله، ومرشده وعزاؤه، ومصباحه ونوره.
وفي حياة الإيمان يوجد دائما مجال للتقدم. فعندما ندرس ما حققه الإيمان، ندرك أننا أطفال نلهو على الشاطئ محيط لا نهاية له ولا حدود. وقد ذكرت بعض أعمال الإيمان الجبارة في عبرانيين 11، ووصلت إلى الذروة في الأعداد 32-40 “وماذا أقول أيضا لأنه يعوزني الوقت أن أخبرت عن جدعون وباراق وشمعون ويفتاح وداود صموئيل والأنبياء. الذين بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا برا نالوا مواعيد سدوا أفواه أسود أطعأوا قوة النار نجوا من حد السيف تقوّوا من ضعف صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء، أخذت نساء أمواتهن بقيامة. وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضا وحبس. رجموا نشروا جلدوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم. تائهين في برار وجبال ومغاير وشقوق الأرض. فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد إذ سبق الله فنظر لنا شيئا أفضل لكي لا يكون لا يكملوا بدوننا.”
وفي الختام نقول أننا ذكرنا، في ما سبق، أن العالم يعتبر تلميذ المسيح الذي يسلك بالإيمان حالما أو متعصبا، بل قد يعتبره المسيحيون الآخرون كذلك. ومن المستحسن أن تقتبس كلمة… ماكنتوش في هذا الصدد “أن الإيمان الذي يمكن الإنسان من السير مع الله يمكنّه أيضا من تقويم أفكار الناس وتقديرها”.
the faith — الايمان
منقول من /http://www.kalimatalhayat.com