نحن نعيش في عصر تكثر فيه العوامل التي قد تطفئ الروح وتنقلنا من وضعية الحرارة الروحية الى حالة يسميها الوحي الكتابي بالفتور الروحي. أذا رجعنا ألى التشبيه نفسه، نجد أن الماء الفاتر يكاد لا يصلح لشيء، فهو لا يروي غليل العطشان في الطقس الحار ولا يدفئ الجسم في الفصل البارد، أنه حالة ال- “بين بين” …
أن الكلمات الواردة في العنوان مأخوذة من سفر الرؤيا 3 : 15، فيها يكلّم الروح كنيسة اللاودكيين قائلا: “ليتك كنت باردا أو حارا”، ثم يكمل في العدد الذي يليه ويقول الروح للكنيسة: “هكذا لأنك فاتر ولست باردا ولا حارا أنا مزمع أن أتقيأك من فمي” (ع 16)، ومن هنا نفهم غاية خطورة الفتور الروحي، فهو حالة روحية تشوبها علة ومرض روحي مزمن أو كالجسم الغريب في “معدة الله” أذا صحّ التعبير، واستمرار وجود هذا الجسم الغريب سوف يأتي بنتيجة سيئة بل وفي غاية من البشاعة: “التقيؤ”، فالله لا يحتمل المؤمن الذي يتخذ حياة الفتور الروحي أسلوب حياة، ويحذرنا من عواقب هذه الحالة المرضية، وينعتها الوحي في سفر الرؤيا بخمس عواقب صعبة للغاية لحياة كهذه: شقاء، بؤس، فقر، عمى وعري (ع 17).
أن أسباب الفتور الروحي كثيرة ومتعددة، أولها قد يكون حياة الاكتفاء الروحي واللامبالاة، وفي هذا المطب وقعت كنيسة اللاودكيين (رؤ 3 : 17)، سبب آخر هو كثرة الأثم المحيط فينا الذي يؤدي ألى برود المحبة وبالتالي الفتور، بالذات في هذه الأيام الأخيرة حيث مجيء الرب قريب جدا على الأبواب (مت 24 : 12)، وعلاج هذا النوع من الفتور هو الصبر ألى المنتهى (مت 24 : 13)، أسباب أخرى تأتي بالفتور هي مثلا حياة المساومة والرخاء، محبة العالم والأشياء التي في العالم من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، عدم قمع الجسد أو صلب الذات، الأبتعاد عن الكنيسة والجسد الواحد، العرج بين الفرقتين وغير ذلك (1 يو 2 : 15، 16، 1 كو 9 : 27، عب 10 : 25، أع 2 : 42، 46، 1 مل 18 : 21)…
من أهم العوامل التي تأتي بالانحدار الروحي وحياة الفتور هو الابتعاد عن محضر الله، كيف لا والله ألهنا “نار آكلة” (خر 24 : 17، تث 4 : 24، أش 30 : 31) وهو المصدر الحراري الذي يضرم الروح فينا (1 تس 5 : 19، 2 تي 1 : 6) وهو شمس البر الذي ينعش حياتنا، ويعدنا الوحي بفم النبي ملاخي: “ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها فتخرجون وتنشأون كعجول الصيرة” (مل 4 : 2)، فلا يمكن أن نحيا حياة منتصرة بدون الاقتراب ألى الله يوميا بواسطة وسائط النعمة التي منحنا أياها: حياة الصلاة اليومية وقراءة الكلمة المقدسة، بالأضافة ألى الانضمام لجسد الرب الواحد، الكنيسة الحية التي قال الرب عنها: “أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (مت 16 : 18).
في القطعة التي قرأناها من سفر الرؤيا يعطي ملاك كنيسة اللاودكيين تلخيصا لعلاج مشكلة الفتور التي عرضها الوحي ويقول: “أشير عليك أن تشتري مني ذهبا مصفى بالنار لكي تستغني وثيابا بيضا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك وكحّل عينيك بكحل لكي تبصر” (ع 18)، فحياتنا بدون نار الروح القدس اليومية لن تصفو أو تتنقى، وبدون لبس المسيح سوف يظهر عرينا وعرضتنا للخطية تزداد، كذلك لن نسير في طريق الخطة الألهية بدون البصيرة الروحية السليمة، هي هي النتائج الوخيمة التي ذكرها الوحي في العدد 17.
نلاحظ قول الوحي: “… أنا مزمع أن أتقيأك …”، فألهنا أله الفرص، وهو الذي لا يقصف قصبة مرضوضة ولا يطفئ فتيلة مدخنة “حتى يخرج الحق ألى النصرة” (أش 42 : 3، مت 12 : 20)، فأذا دخلنا في حالة الفتور الروحي، وهذا عادة يتم تدريجيا، يبدأ الله بمعالجتنا لأبرائنا من هذا المرض “حتى يخرج الحق ألى النصرة” كما يقول، فما أعظم هذا الأله المحب والعادل في ذات الوقت. أن العلاج الألهي لمرض الفتور هو التوبيخ والتأديب (قبل التقيؤ)، فيقول في عدد 19: “أني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه”، ويحثنا على الغيرة والتوبة والرجوع ألى الله بعد الابتعاد المضني والمؤلم (ع 19).
ليتنا في هذي الأيام نضرم حياتنا بالاقتراب ألى الله، فنكون كأبراهيم الروحي الذي سار مع الله وأطاعه بالكامل فكانت حياته مليئة بالانتصارات الألهية فنال المواعيد والامتيازات له ولنسله، بخلاف لوط الجسدي الذي سار مع ابراهيم
وسكن بين الاشرار معذبا نفسه البارة بالنظر والسمع ألى الافعال الأثيمة، فكانت نهايته الهزيمة، الشقاء، السبي من أرضه والعار (تك 13 : 1 – 18، 14 : 12 – 16، 15 : 5، 19 : 1 – 22، 30 – 38، 2 بط 2 : 7، 8).