نهاية أمر خير من بدايته”، كذا قال الملك سليمان في سفر الجامعة 7 : 8، ولكن، للأسف، فبالرغم من مقولته هذه الموحى بها من الروح القدس فقد أنهى الملك سليمان حياته بالبعد عن الله واتباعه الهة غريبة (1 مل 11 : 4 – 6).
كثيرون يبدأون الحياة الروحية بنجاح وفرح وابتهاج ونصره وتوبه وطاعه ونمو … ولكن للأسف قليلون هم الذين ينهونها بنفس الطريقة، فيخورون في الطريق. نلاحظ ان أغلبية ملوك إسرائيل ويهوذا لم ينهوا السباق بنجاح، والأمثلة كثيره على ذلك.
قال يسوع: “كثيرون يدعون وقليلون ينتخبون” (مت 20 : 16، 22 : 14)، ونقرأ في انجيل يوحنا كيف ان كثيرين لما سمعوا كلام يسوع قالوا هذا الكلام صعب، من يستطيع ان يسمع، اي ان يعمل ويطبق هذا الكلام، عندها رجع كثيرون إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه (يوحنا 6 : 60).
نعم، لقد صدق هؤلاء عندما توصلوا للنتيجة ان الحياة مع الرب ليست بسهله، ولكن مشكلتهم أنهم لا يريدون ان يضحوا لأجل الرب ولا يريدون ان يدفعوا الثمن بالسير وراء السيد وترك كل شيء واتباعه.
الكتاب يعلمنا أن الحياة مع الرب ليست بسهله، فمعنى اختيار السير مع الرب هو ان نسير ضد تيار الخطية والشر والعالم، وهذا ليس بالأمر السهل ونحن بحاجه إلى معونة ونعمة الرب كي نقدر ان نعيش بنجاح في حياتنا مع الرب للنهاية، لأنه هو نفسه قال: “لأنكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا” (يو 15 : 5)، وكذلك قال: “ما اضيق الباب وأكرب الطريق المؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (مت 7 : 14).
هناك جهاد وضيق وصعوبات وآلام في هذه الطريق وما علينا إلا ان نصبر ونثبت انظارنا نحو السيد، كيف لا ومكتوب بوضوح انه “بضيقات كثيره ينبغي ان ندخل ملكوت السموات” (أع 14 : 22). قال يسوع وأكّد قائلا: “في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم” (يو 16 : 33). الرب يريدنا ان نعرف وان ندرك ثلاثة أمور مهمه: 1) حقيقه: ضيق في العالم 2) وصيه: ان نضع ثقتنا بالرب 3) وعد: الرب غلب العالم، فبالرغم من الضيق فالرب يعدنا انه قد غلب العالم، وما علينا إلا ان نثق فيه. من المهم ان ندرك ان وجود الضيق في العالم لا يعني ان أعيش متضايق، فالضيق يحيط بكل العالم في كل مكان، ولكن طوبى لنا أننا نعرف الرب، وهو يحثنا أن نضع ثقتنا فيه لأنه غلب العالم.
لقد شبه الكتاب الحياة الروحية بانها كسباق في ميدان هذا العالم، فيقول بولس في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس 9 : 24: “ألستم تعلمون ان الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحدا يأخذ الجعالة. هكذا اركضوا لكي تنالوا” وما علينا إلا ان نركض لكي ننال، لا كأننا نضرب في الهواء (ع 26).
لماذا قد لا يكمل البعض السباق ؟ (1) الخوران في الطريق: غير حاملين سلاح الله الكامل، جسديون، يتفكرون في الأرضيات، عيونهم للوراء وليس على الهدف – الرب، لذلك فعند التجربة يرتدون، هؤلاء الذين زرعت كلمة الله في ارض غير جيده في حياتهم: في الطريق، بين الشوك، على الصخر، اساساتهم الروحية ضعيفة، غير ثابتين في المسيح ضد تيار العالم والخطية والشر (لقد ربط الرب موضوع الثبات بالضيق الذي في الأرض، فكي نصمد في هذا الضيق علينا أن نثبت في الرب – أنظر من فضلك يو 15 : 5). (2) الفتور الروحي: مؤمنون مخلصون ولكنهم مغلوبون ويعيشون حياة الهزيمة: يتغيرون بحسب الظروف، عضلاتهم الروحية ضعيفة، سائرين في مهب الريح، مع التيار، يريدون التمتع ببركات الخلاص دون دفع الثمن والتضحية لأجل الرب، يعرجون بين الفرقتين (1 مل 18 : 21). الفتور الروحي هو مرض روحي يشبّهه يوحنا الرائي بالجسم الغريب في معدة الله، فيقول: “هكذا لأنك لست باردا ولا حارا أنا مزمع أن أتقياك من فمي” (رؤ 3 : 16). (3) السقوط: أخطر مجموعه، عادة هؤلاء يكونون مستخدمين وبدرجات روحيه عميقه ولكن يقعون في تجربة وفخ إبليس إذا لم ينتبهوا لحياتهم الروحية، فخ مثل الكبرياء أو الغرور أو جنون العظمة، أو حتى الزنى (“طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء” – أم 7 : 26).
كي نكمل السباق بنجاح نحتاج إلى: (1) الإيمان: شعب إسرائيل لم يقدر ان يستمر ويدخل ارض الموعد لعدم الإيمان، فتذمر ونظر إلى الوراء: “فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الايمان” (عب 3 : 19)، وبولس يقول: “أكملت السعي، حفظت الإيمان …” (2 تي 4 : 7)، وبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب 11 : 6). (2) الطعام الروحي: يجب ان ننمو ونأكل الطعام للبالغين كي نقوي عضلاتنا الروحية – الذين بسبب “التمرن” تصير لنا الحواس مدربه على التمييز بين الخير والشر (عب 5 : 14). إيليا اكل أكله من السماء وامشته أربعين يوما، يجب أن نأكل الطعام السماوي كل يوم كي نستطيع ان نصمد في الطريق، فمع طلة كل صباح أمامنا تحديات مع الخطية والعالم والجسد، حرب مستمرة لا تعرف الراحة أو التوقف. (3) ان يكون لنا فكر المسيح: عب 12 : 3: “فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم” ان يكون في نفسي حكم الموت (2 كو 1 : 9)، “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا …” (في 2 : 5)، وإذا اتممنا قراءة الآية نرى أن فكر المسيح هو فكر التواضع والبذل والمحبة والعطاء. يجب أن نضع في فكرنا ونتذكر دائما أن الرب احتمل المشقات من الخطاة قبلنا، وهذا يسهل علينا إتمام السباق بنجاح وقوة وألا نخور في الطريق.
للسباق مبادئ / قوانين: “ألستم تعلمون ان الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحدا يأخذ الجعالة. هكذا اركضوا لكي تنالوا” (1 كو 9 : 24).
(1) مبدأ / قانون الركض – الركض يحتاج إلى مجهود ونفس طويل، لياقه بدنيه، في البداية يكون الأمر صعب ولكن مع التدريب يصبح أسهل وأسهل. كما ذكرنا أعلاه، نحتاج ان نتدرب في حقل السيد، “الذين بسبب التمرن…”، بولس يقول: “جاهدت الجهاد الحسن …” (2 تي 4 : 7) هناك مجهود يجب ان نبذله وليس ذلك فقط بل ان نجاهد بحسب قانون الكتاب. بولس يقول بشكل واضح “وأيضاً ان كان أحد يجاهد لا يكلل ان لم يجاهد قانونيا” (2 تي 2 : 5). كذلك يستمر مشجعا تيموثاوس قائلا: “اجتهد ان تقيم نفسك لله مزكى عاملا لا يخزى مفصلا كلمة الحق بالاستقامة” (ع 15). هناك حرب روحيه مستمرة يجب ان نقف فيها كل يوم وكل لحظه، كيف لا والكتاب يعلمنا أن “الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون” (غل 5 : 17) وكذلك “للرب حرب مع عماليق من دور إلى دور” (خر 17 : 16)، لا يوجد استراحة أو هدنة مع عدو الخير، ولكن لا نخاف، “لأن الذين معنا أكثر من الذين معهم” (2 مل 6 : 16)، “الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون” (خر 14 : 14)، “لأن الرب الهكم سائر معكم لكي يحارب عنكم أعداءكم ليخلصكم” (تث 20 : 4)، “بالرجوع والسكون تخلصون، بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم” (أش 30 : 16).
(2) في الميدان – في ساحة العالم. يجب أن نركض في الميدان أي في العالم بين الناس وليس في عزلة عنهم. في هذا العالم / الميدان حيث الجميع يركضون ولكن نحن نركض داخل إطار كلمة الله وقوانينها، يجب ان نعرف وندرك كلمة الله جيدا كي نحارب بحسب القوانين المكتوبة ونكون داخل اطار مشيئة الله المعلنة بكلمته الحية، الصالحة، المرضية والكاملة (رو 12 : 2). من المحزن أن كل الناس الذين لا يعرفون الرب يركضون ولكن يضربون الهواء وليس لكي ينالوا (1 كو 9 : 26)، فهم يصارعون هواء ويركضون وراء سراب وفي النهاية يسقطون في الهاوية والنتيجة – لا ينالون شيئا. ليس كذلك نحن، ويا ويلنا إن كنا كذلك. في صلاة الرب بإنجيل يوحنا 17 صلى قائلا “لست أسال ان تأخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير” (يو 17 : 15)، وبولس يقول: جاهدت الجهاد الحسن، اي بحسب قوانين الله ومشيئته، ان نكون اعضاء داخل كنيسة الله، حجاره حيه فيها، ان نكون داخل القطيع الواحد وهكذا يمكننا أن نحارب بشكل حسن في ميدان هذا العالم.
(3) لكي ننال – يوجد هدف وراء الركض: كي ننال الجعالة، الإكليل، الغرض. بولس يقول: “أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع” (في 3 : 14). “جعالة” أي أجرة، منفعة. جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع، أي ان الأجرة والمنفعة الأعظم لله لنا هي في المسيح يسوع، أي ان يسوع هو الغرض الأعظم والاسمى لله لنا الذي ينبغي ان نسعى له واليه وليس لأي شيء آخر. هذا يتطابق مع الآية: “لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا، ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله” (عب 12 : 1 – 3). وهكذا كان بولس يفعل: “افعل شيئا واحداً، أنسى ما وراء وامتد إلى قدام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع” (في 3 : 14).
اذا نحن شاعرون اننا تعبنا في الطريق فلنفحص حياتنا الروحية ولندقق فيها، اذا سقطنا او انغلبنا في ناحيه او اكثر فلنذكر من اين سقطنا ولنتب (رؤ 2 : 5)، وفي كل الأحوال لنثبت انظارنا نحوه ولنتفكر في الذي احتمل المشقات والآلام لئلا نخور في نفوسنا.
كي نكمل السباق بنجاح ليتنا نحذو حذو بولس الرسول، الذي استطاع أن يقول في نهاية مسيرته على الأرض:
“فاني انا الان اسكب سكيبا ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن، اكملت السعي، حفظت الايمان واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا” (2 تي 4 : 6 – 8).