As the Father has Loved Me so I have Loved You-كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا أثبتوا في محبتي

كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا أثبتوا في محبتي

(يوحنا ١٥: ٩)

 

call-of-hope.com

ما أعظم هذه العطية! وما أسمى المقياس الذي أحبنا به المسيح!

كما أحبَّ الآب الابن، هكذا أحبنا الابن، ومحبته لنا هي سر إلهي، أسمى من أن ندركه أو نحدَّ مداه مهما بذلنا من جهد. إنَّ الروح القدس وحده هو الذي يستطيع أن يسكب فينا هذه المحبة بغزارة بقوته الغالبة المستمرة، والمسيح نفسه ينبغي أن يسكن في القلب بروحه القدوس، وحينئذ ندرك ونمتلك في داخلنا هذه المحبة الفائقة المعرفة.

«كَمَا أَحَبَّنِي الآبُ كَذلِكَ أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا» ﴿يوحنا ١٥: ٩﴾. ألا يجدر بنا أن نقترب من شخص المسيح الحي، ونثق به، ونسلّم كل شيء له، لكي يسكب فينا محبته؟ وكما أدرك هو محبة الآب له وفرح بها في كل حين، هكذا نحن أيضاً نحيا في جو الإحساس الدائم أنه كما أحب الآب المسيح فإنه بنفس الكيفية يحبنا نحن، ورباط المحبة الذي يربط الكرمة الحقيقية بالآب هو نفسه الذي يربط الكرمة بالأغصان. إنَّ الكرمة وحدها هي التي ينبغي أن تهب الغصن النمو والثمر عن طريق سريان عصارتها فيه، والمسيح نفسه ينبغي أن يسكن في القلب بروحه القدوس، وحينئذ ندرك ونمتلك في داخلنا هذه المحبة الفائقة.

والثبات في محبته يعني أننا نتخلى عن كل شيء آخر، وأن نشغل مكاناً واحداً ونبقى فيه. افرغ ذاتك من كل شيء، وضع قلبك على يسوع وعلى محبته، وسوف توقظ تلك المحبة إيمانك وتقويه وتثبته. اشغل نفسك بتلك المحبة. تأمل فيها. انتظرها. وفي وسعك أن تتأكد أنها سوف تصل إليك، وسوف تقيمك بقوتها، وتضمك إلى نفسها، وتصبح مسكنك ومكان إقامتك.

فما هو شرط الثبات في محبته؟ هو شرط واحد: «إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي» ﴿يوحنا ١٥ :١٠﴾. لعل البعض يتساءلون قائلين: وكيف يمكننا أن نحفظ وصاياه؟! هذا أمر صعب، بل مستحيل! نعم، من الصعب أن نحفظ وصايا شخص ما لم نحبه أولاً، وما لم نبادله حباً بحب. ما أسهل أن يعمل الابن إرادة أبيه متى توفرت في قلبه المحبة لأبيه. وما أسهل أن تطيع الزوجة زوجها، ويلبي كل فرد منا طلبات صديقه طالما توفرت المحبة. نعم، إنَّ الوصايا التي تبدو ثقيلة أمام أهل العالم هي متعة ولذة للمؤمن الذي امتلأ قلبه من محبة يسوع.

وإلى أي مدى ينبغي أن نحفظ وصاياه؟ يجيب المسيح على هذا السؤال بالقول: «كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ» ﴿يوحنا ١٥ :١٠﴾. أي بنفس الكيفية وبنفس الطريقة التي بها ثبت هو في محبة الآب، بحفظ الوصايا، بالطاعة الكاملة. لقد كان المسيح مشابهاً لنا في كل شيء حتى نكون نحن أيضاً مشابهين له في كل شيء، أي في حفظنا لوصاياه، وفي إطاعتنا الكاملة له، وفي تسليمنا الكامل لإرادته ومشيئته، وفي ثباتنا في محبته ثباتاً دائماً ومستمراً.

على أنَّ محبتنا لا يجب أن تقف مكتوفة اليدين، بل ينبغي أن تعلن عن ذاتها وتمد يدها للآخرين لتوصل إليهم نفس المحبة التي أخذتها من الابن، وأخذها الابن من الآب. «هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ» ﴿يوحنا ١٥: ١٢﴾. بنفس الكيفية والأسلوب والجدية، وبنفس العمق ومستوى التضحية. “كما أحببتكم” وليس أقل من ذلك. ولكن، هل يمكن أن نحب بعضنا بعضاً كما أحبنا المسيح؟ نعم، فطالما كان الغصن ثابتاً في الكرمة فإنه يستطيع أن يحيا حياة الكرمة نفسها وأن يأتي بثمار الكرمة نفسها، ليس من ذاته، أو بعمله واجتهاده، بل بمجرد ثباته في الكرمة وسريان عصارتها فيه بصفة مستمرة. وهكذا المؤمن الثابت في محبة المسيح، تسري فيه تلك المحبة عينها للآخرين. كما تكون الكرمة كذلك تكون الأغصان، حياة واحدة، وروح واحد، وطاعة واحدة، وفرح واحد، ومحبة واحدة.

لقد برهن المسيح على محبته لنا بصورة عملية عجيبة تفوق العقل البشري، ليس بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق. «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» ﴿يوحنا ١٥: ١٣﴾. وهكذا أيضاً ينبغي أن تكون محبتنا للأخوة محبة عملية لا كلامية فنضع أنفسنا من أجلهم.

اقرأ الأصحاح الثالث عشر من رسالة الرسول بولس الأولى إلى أهل كورنثوس لتعرف أوصاف المحبة الإلهية التي أحبنا بها المسيح والتي ينبغي أن نحب بها الآخرين. فالمحبة الحقة: لا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم، ولا تسقط أبداً. إنما: تتأنى، وترفق، وتفرح بالحق وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء.

فيا لها من محبة فائقة المعرفة، بلا حدود، ولا قيود، ولا تحفظات، ولا شروط، محبة لا نهاية لها.

إنها محبة تتسع للعالم أجمع، لكل الخليقة، منذ آدم الأول حتى آخر إنسان يوجد على سطح هذه الأرض، ملايين الملايين التي لا تعد ولا تحصى.

إنها تصل إلى عمق أعماق القلب والنفس، وفي وسعها أن تنتشل من عمق أعماق الخطية، وتخلص من عمق أعماق الجحيم.

إنها ترفع الخطاة البائسين إلى السماويات وتجلسهم مع المسيح الذي أحبهم. وترفع البشر المساكين لتسكنهم في حضرة النور الذي لا يدنى منه. إنها تسمو بهم إلى أعلى مستوى، وتهبهم أسمى مركز يمكن أن يصل إليه إنسان.

إنها محبة تبذل نفسها لأجل أناس غير مستحقين لأية محبة! محبة تحب حتى الأعداء!

إن هذه المحبة قوية وقادرة أن تسندنا، وتهزم أعداءنا وتذلل كل الصعوبات التي قد تعترض طريق سياحتنا في برية هذا العالم، وعندئذ يحق لنا أن نهتف قائلين: «يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا» (رومية ٨: ٣٧).