هل الأعمال الصالحة تمحو الخطايا؟

“لأن أجرة الخطية هى موت” (رو6: 23)

سألني صديقي المتشكك:

لا أعرف ماذا أفعل أمام خطيتي.. فماضيَّ الأثيم يطاردني وحاضري أيضًا مليء بالذنوب وأتمنى أن أستريح وأنال غفرانًا لخطاياي! وبعد تفكير اقتنعت أن الله يغفر لي خطيتي عندما أعمل بعض الأعمال الصالحة وأعمل الخير لمن حولي. مع بعض التبرعات الخيرية للفقراء. فينزاح الهم عن قلبي. ويرتاح ضميري. هل ما أفعله صحيح؟!

الرد:
هذا اعتقاد منقوص وغير منطقي. وحتى إن عملنا أمورًا صالحة وأعمالاً خيرية، فهذا لا يمكن أن يغفر الخطايا. أو يزيح الذنوب. وسأرد على هذا الادعاء برد منطقي ورد كتابي حتى نجزم هذا الأمر.

المنطق لا يوافق على هذا:
فهل لك أن تتخيل مجرمًا متهمًا في قضية قتل مثلاً ويقف أمام القاضي كي يحكم عليه وهو ينتظر حكم الإعدام. ثم يقول للقاضي بالمنطق أيضًا: “ماذا ستستفيد العدالة من موتي وإنهاء حياتي؟، ماذا سيعود على الإنسانية من هذا؟ “فأطالبكم بإطلاق سراحي والعفو عني وأتعهد أن أقضي ما تبقى من عمري في خدمة الإنسانية وسأبذل كل جهدي لإسعاد الآخرين، فتكون حياتي كلها مليئة بالحسنات والأعمال الخيرية. وهذا ما سيفيد الإنسانية”.
وقد تظن أن هذا كلام منطقي. لكنه منطق كاذب ولا يوافق العدالة الأرضية لأن العدل لابد أن يأخذ مجراه. ولابد أن ينال المذنب عقابه مهما تعهد ومهما وعد أو حتى عمل وبذل من التضحيات. وألا تسود الفوضى في البلاد بسبب عدم أخذ القصاص العادل على كل مذنب، فالمجرم لابد أن يأخذ عقابه.

وبذات المنطق: هل التوبة وحدها كافية لنوال الغفران؟!
وهذا أيضًا بالطبع ضد العدل والقضاء. فلو سمعنا هذا المجرم في ساحة المحكمة وهو يجهش بالبكاء والصراخ معلنًا عن ندمه على فعلته مدعيًا أنها كانت لحظات طيش وغباء واندفاع أهوج لقتل زميله وها اليوم نادمًا ومتعهدًا بأنه لن يفعل مثل هذا الفعل مرة أخرى. هل يمكن لضمير المحكمة أن يتعاطف معه فيعطيه براءة نظرًا لتعهده بعدم تكرار ما حدث؟ فإذا كان القضاء الأرضي لا يوافق على أن التوبة تكفي لنوال الغفران، فهكذا أيضًا المنطق العادل يرفض مثل هذا الفكر.

الله العادل:
مع أنه هو الغفور الرحيم الذي شهد له ميخا النبي: “من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه” (ميخا7: 18) وشهد له يونان: “لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر” (يونان4: 2)، لكنه أيضا كلي العدل. فهو من رنم له داود: “ثبت للقضاء كرسيه وهو يقضي للمسكونة بالعدل يدين الشعوب بالاستقامة” (مز9: 7، 8) وقد رنمها حين مات الابن نتاج الخطية مع بثشبع، فأدرك عدل الله. وهكذا رنم نبوخذ نصر لله: “لأنك عادل في جميع ما صنعت” (دانيال3: 27) “لأن الرب عادل ويحب العدل” (مز11: 7).

نتيجة أجرة الخطية وكيفية نوال الغفران:

“لأن أجرة الخطية هى موت” (رو6: 23)، فالخطية نتيجتها الموت وكل من يفعلها لا يمكن أن ينجو من نتيجتها. فما هو الطريق إذن إلى الغفران الإلهي.
لا يوجد طريق للغفران الإلهي إلا الطريق الذي وضعه الله شخصيًا “كل شيء تقريبًا يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب9: 22)، فالدم هو الثمن والموت هو البديل الذي لا يمكن أن يغفر الله الخطايا إلا به. فالعدل الإلهي لابد أن يسدد له الثمن بالموت أيضًا حتى يستطيع أن يغفر. لهذا كانت ذبائح العهد القديم تقدم ويسفك دمها للتكفير عن خطايا الشعب. ولكن لم تنجح هذه الذبائح في تقديم الغفران الكامل للشعب لأنها محدودة، كما أنها نموذج ومثال للرب يسوع المسيح الذبيحة الإلهية المقدمة لله.

يسوع المسيح:

أتى يسوع المسيح وقدم نفسه ذبيحة عنا. في هذا وفي مطاليب العدل الإلهي ولأنه غير محدود مات لأجل خطايا كل العالم. وهذا هو أساس الغفران الإلهي. دعونا نقرأ هذه الآيات:

تنبأ عنه إشعياء قديمًا: “وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا” (إش53: 5).
قال يسوع لتلاميذه في ليلة الصليب: “لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” (متى26: 28).
فشهد الرسول بولس: “إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع، فالجميع إذًا ماتوا وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام” (2كو5: 14، 15).

“الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا، حسب غنى نعمته” (أف1: 7).
لهذا يقدم الرب يسوع المسيح الحل العادل والجذري لمشكلة الخطية، فنأخذ بالإيمان غفرانًا لخطايانا. وهكذا وعظ بطرس: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا” (أع2: 38).

لهذا لا يمكن أن يكون هناك غفران للخطايا إلا على حساب عمل يسوع المسيح الكفاري، الذي أخذ فيه مكاني ومات بدلا عني على الصليب لكي يطلقني حرًا من خطيتي. “كما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 15).

إذًا هل الأعمال الصالحة ليس لها داع؟!

لا على العكس. فالأعمال الصالحة لا تقود إلى الغفران لكنها تتبع الغفران.
فعمل النعمة في خلاص نفوسنا كامل ” بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد” (أف2: 8، 9).
لأنها لو كانت بالأعمال، فالمسيح إذا مات بلا سبب وأصير أنا مداينًا له بما فعلته. لكن الأعمال الصالحة لابد أن تتبع التوبة والإيمان فإيمان بدون أعمال ميت. وكل شجرة جيدة تصنع ثمرًا جيدًا “من الثمر تعرف الشجر” (مت12: 33).
وهكذا علمنا السيد: “الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح” (لو6: 45).

فلنعمل الصلاح والخير للجميع وهذا هو برهان إيماننا وتوبتنا.

د. إيهاب ألبرت – جمعية خلاص النفوس