مجرم … ولكنه تبرأ

لكل الناس قدر محدود من معرفة الخير والشر لكنهم فيما بينهم وبين أنفسهم يقيسون انفسهم واختباراتهم وظروفهم ليس على تلك المعرفة بل على مقياس شخصية يرتضونها لأنفسهم .
فالسكير مثلاً لا يرى في الخمر ضرراً بالغاً بينما هو ينظر الى السرقة بأنها خطية لا تغتفر. والتاجر الذي يتعامل في السوق السوداء يقنع نفسه بأن ذلك انما هو اسلوب من اساليب التجارة تقتضيه المصلحة، وهو لا يحسب التعامل مع السوق السوداء شراً نظير الترنح بالخمر . والرجل الأديب المستقيم يقنع نفسه بأنه يفعل ما يقتضيه الواجب وأنه يرثي لحال الخاطئ المكشوف أمره ، لكنه ينسى كم من فكر خاطئ شرير ساد على ذهنه وكم من رغبة أثيمة ملكت على مشاعره وانقاد لها سراً دون ان يعلم به الآخرون متناسيا ومتجاهلاً أن الله يدين القلوب ويعرف ما فيها ، كل شيء مكشوف وعريان أمامه، بينما الإنسان يحكم على السلوك المنظور وظواهر الأمور فقط.
وهكذا نرى ان كل انسان يقارن نفسه بمن هو دونه ويهنئ نفسه على ما هو فيه كما في :
كورنثوس 10: 12 … الذين يمدحون انفسهم …هم اذ يقيسون انفسهم على انفسهم ويقابلون انفسهم بانفسهم لا يفهمون.
أما مقياس بر الله فهو واحد .
فاذا ما تنبه الضمير وأخذ ينظر الى الخطيَّة بنظرة الله لها ، لا يسعه حينئذ إلا أن يكتشف أنه مذنب وهالك ، فلا يحاول تبرير نفسه بقياسها على من هو اشرّ منه ، بل يعترف اعترافاً صريحاً بذنبه ويدين نفسه ويتوق ان يعرف هل ممكن ان يسامحه الله ؟ .
قد يتعزى الإنسان ويهدأ قلبه المضطرب حين يجد من هو أشرّ منه ، ولكن هذا ليس الكل ، فانه لا يطيق يرى الله باريه مُظهراً له غنى نعمته الفائقة ، فمع ان النعمة معناها حصول الخاطئ على غفران الله دون مقابل إلا أن مبدأ الخلاص بالنعمة يتعارض مع أفكار الإنسان ويسمو على إدراكه ، والإنسان بشكل عام ينفر من هذا المبدأ ، بل أنه يحسب النعمة في قرارة نفسه نوعاً من عدم العدالة ، لأن هذا الأمر يذلل الطبيعة البشرية اذ نرى أنفسنا مضطرين للاعتراف بحالتنا الهشة وحاجتنا القصوى الى النعمة التي بدونها لا نستفيد ولا نفيد شيئاً بالمقياس الإلهي، وانما الذي يؤهلنا لنعمة الله ويدفعنا لها هو تعاستنا وخطيتنا وخرابنا .
لما كان آدم في الجنة اختبأ من الله حين اكتشف ذنبه . فصرفه ذنبه عن الله خالقه وصديقه الوحيد في الوقت الذي كان فيه أحوج ما يكون إليه . وهكذا هي الحال اليوم ، فالإنسان يهرب من ربه الذي يحبه ويريد مسامحته .
فاذا كان القارئ او القارئة يريد أن يحصل على عفو شامل وكامل من الله خالقه ومبديه فليأتي أولاً الى الرب يسوع المسيح وينفرد به كالخاطئ المذنب، حاكما على نفسه من كل قلبه .
ليس مطلوباً منه أن يَعِد بشيء ولا ان يحاول اصلاح نفسه ليحسّن من حاله، بل ليأت كما هو بخطاياه إلى المُخلِّص يسوع المسيح مؤمنا به وبموته عن الخطاة الفجار وبقيامته المجيدة وتائباً له .
قيل أن ولي عهد انكلترا زار أحد السجون ، ورغبة منه في ان يعفو عن من يستحق العفو، فكان كل سجين يبرر نفسه إلا عجوزاً انحنى واعترف بجريمته بكل اتضاع وانه يستحق السجن ، فحاز هذا على العفو عن دون غيره من السجناء الذين برروا انفسهم ولم يعترفوا بما اقترفوه.
ان السيد يقول في مرقس 2 :17 … لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى.لم آت لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة.

 

مجلة النعمة