لدى قراءة أو سماع عبارة « سمات العصر » قد يتبادر للذهن مباشرة أفكار مرتبطة بعصرنا الحالي , و هي صحيحة بالتأكيد, إنما قد تكون هناك سمات مختلفة في العصور الماضية و المستَقْبَلة. لكن تبقى هناك سمات أساسية مُشتَرَكة تلك المتعلّقة بطبيعة الإنسان. و سنستعرض أهمّها بحسب ما تُعلّمنا إياه الكلمة الإلهية المُباركة.
و ذلك من عدّة أمكنة في الكتاب المقدس , و بشكل رئيسي : رومية ١ و تيموثاوس الثانية ٣
أصلي أن تكون هذه السلسلة من التأملات في كلمة الله سبب بركة و فائدة للجميع.
١- ( استبدال حقّ الله بالكذب )
اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ ( رومية ١ : ٢٥ )
منذ بدء الخليقة و حتى اليوم, دأب الإنسان لتحقيق ارتباط ما مع قوة أعظم منه, لشعوره بالفراغ و الحاجة و الضعف , فقام الإنسان بابتداع صور و أشخاص و منحوتات للعبادة مُستحِقّة˝ صفة الكذب, ف تلك الأنماط هي كذبة وتمثيل زائف لله. والإنسان الذي يعبد صورة مخلوق ,يهين بهذا الخالق و يحتقره، و هو المستحق ليس الإهانة بل الإجلال والمجد إلى الأبد. و هذا ما يُسمّى عبادة الأوثان.
ما أكثر ما يعمل الإنسان مسوقا˝ من إبليس على إلباس ما يعبده صفة الإلوهية,
و بديهي أن كل ما هو غير الحق فهو كذب , لذلك فكل تَقدُّم لله- بغير ما رسمته إرادة الله المُعلَنة لنا في الكتاب المُقدّس- هو كذب و إهانة لله.
أخي أختي هل استبدلت حقّ الله بالكذب ؟
أدعوك لقراءة كلمة الله لتعرف إعلان الله عن ذاته للبشر فتختبر ارتباطا˝ حقيقيا˝ معه يُشبع قلبك و روحك.
٢- ( أهواء الهوان ) . ( الانحطاط الأخلاقي الأدبي )
( رومية ١ : ٢٦ – ٢٧ )
خَلَق الله الإنسان حَسَنا˝, و وضع غرائز طبيعية في الجسد البشري ، لكن سوء استخدام هذه الغرائز بصورة خاطئة ( خارج الرؤية الإلهية ) هو ما يُشار إليه ب ” الزنا و العهارة “ . بينما المقصود ب « أهواء الهوان » هو الممارسات الشاذة بين أفراد الجنس الواحد ( المثليّة ).
فالشهوات الشاذة غير الطبيعية تنزل بالإنسان إلى ما هو أحط من الحيوان. و جليٌّ لكل عاقل أن البهائم تتكاثر وفق عملية جنسية بين ذكر و انثى, فبالتالي أن انسياق الإنسان وراء غرائز شاذة حتى عن البهائم يجعله منحطا˝ لأدنى الدرجات.
لمن المستغرب و المستهجن كيف أن الإنسان يترك مقامه الفريد و قيمته , لينحطّ لأدنى مستويات الانحطاط, فيبدأ يبحث في عالم الحيوان ليأخذ مبررات لسلوكه الشاذ.
لقد انغمست البشرية لهذه الأمور المُهينة و المُخجِلة , بل واستعبدت لها بواسطة شهواتها التي ليس لها حاجز أو رادع, و للأسف حاليا˝ في البلاد المتحضّرة بالاسم لا بالخُلق ( الغرب ) تمارس هذه الشرور الشاذة الفظيعة المخجلة بكيفية علنية بدون حياء أو خجل. لا بل و تأخذ حماية من التشريعات و القوانين تحت مُسمّى الحرية الشخصية.
ولكن أمام هذه الصورة المُذلِّة نرى صورتنا بحسب الطبيعة ’’بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين‘‘ (أفسس 3:2).
إنما هذه الصورة في الوقت نفسه تُعظّم نعمة الله التي افتقدتنا، و تزيدنا شكراً لفادينا ومحرّرنا العظيم, له كلّ المجد.
( ٣ ) ( الُبعد عن الله )
رومية ١ : ٢٩ – ٣١
انغمس البشر بقائمة مطوّلة من الشرور المهينة, على الصعيدين الشخصي و العام , و يسرد لنا الوحي المقدّس ثلاثة وعشرين شراً واصفا˝ الناس ليس فقط بالأشرار بل بأعلى حد من الشر ’’مملوئين‘‘ و’’مشحونين‘‘.
و لو قمنا بنظرة سريعة على قائمة الشرور البشرية هذه , لاستطعنا تقسيمها إلى قسمين :
١- شرور شخصية ’’إثم وزنا وشر وطمع وخبث‘‘ محورها محبة الذات وإشباع شهواتها , فالإنسان الطبيعي البعيد عن الله مملوء بهذه الصفات الرديئة.
٢- شرور تتعلق بالعلاقة مع الآخرين ’’حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً نمامين مفترين‘‘.
و هذا ما ينطبق على عالمنا حول علاقات الناس الشخصية. وعلاقات الأمم السياسية التي يحكمها الخصام والمكر والسوء والنميمة والافتراء.
يستمر الوحي بسرد قائمة طويلة من الشرور يتمايز منها بشكل مُلفِت صفة ” مبتدعين شروراً “ إنها الصفة المتعلّقة بتحّول الإنسان من مرتكب للشر إلى مُنتِج له, فهو يُخرِج مما له, أي من الفاسد و النجس و الشرير, فإبليس أبوه لا يكتفي بجعله يرتكب الشر , بل يجعله مُثمِرا˝ في فعل الشر.
و كذلك يُبرز لنا الوحي صفات قاسية لأجيال بعيدة عن الله , يبرز منها و يتقدمها التمرّد على الوالدين و عدم طاعتهما, و هو ما كان سائداً في أيام المسيح قديما˝ إذ كان الولد يُقدِّم قربانا˝ مادّيا˝ بدلا˝ عن الاهتمام بأهله, و في أيامنا تزداد للعلن هذه الصفة المخزية التي تتمرد على ترتيب الله و فِكرِه.
و لا يفوتنا صفات عدم الحنو و العهد , ف نكث العهود و الخروج عن الميثاقيات و المعاهدات , أمر شائع بين ممالك الأرض منذ بدء الخليقة.
هذه هي صفات البشرية البعيدة عن الله التي يصفها في هذه الأعداد من رسالة رومية, بأنهم مبغضين لله.
لكن مجدا˝ لإلهنا الغني برحمته الذي لم يصنع معنا حسب آثامنا, بل بمقتضى حبّه و نعمته أرسل لنا فداءا˝ به نتغيّر من هذه الطبيعة الفاسدة و منتوجاتها المشينة, إلى طبيعة إلهية يهبنا إياها حين يلدنا ثانية بعمل الروح القدس حينما نقبل خدمة المصالحة بتدبير الخلاص العجيب بيسوع المسيح, فنتحرّر و نُنتِج صلاحا˝ و بِرّا˝ بحسب الروح الساكن فينا.
٤- ( التديّن الظاهري ) ( صورة التقوى )
تيموثاوس الثانية ( ٣ : ٥ )
تخيّل أنك بحالة إسعافية و تحتاج سيّارة, و من ثم تنظر حولك فتجد سيارة رائعة الجمال فخمة , تدخل لتنطلق بها لكنها للأسف لا تُقلِع, تحاول عبثا˝ لكن دون جدوى.. إن هذه السيارة كالفريسيين الذين يقول عنهم الرب أنهم كالقبور المبيَّضة لكن داخلها عظام أموات. و هذا حال الإنسان بدون المسيح, إنه يجمّل صورته الخارجية ليكون مقبولا˝ لله, لكن الداخل لا يمكن لأحد أن يجملّه سوى الله.
عندما دخل بولس إلى أثينا وجد هناك آلهة كثيرة , كسائر الأمم التي لها دياناتها و عباداتها و معتقداتها, مع ما توجبه تلك الديانات من ممارسات و فرائض و شعائر. و أينما اتجهنا نلحظ ميلا˝ نحو التقوى و التديّن سواء بالقول او الفعل, دون اقترانها بطهارة حقيقية داخلية.
هؤلاء ما أكثرهم في أيامنا للأسف, فنراهم يرتادون دور العبادة , يتلون الصلوات و يصومون و يقدمون التبرعات و أعمال الرحمة ,و يتحدثون بعبارات طنانة , لكنهم بنفس الوقت يحيون في الخطية و تحت سلطتها,
قد يبدو كلامي مستغربا˝ و مستهجنا˝ لكنه واقعي, فالفريسي الذي صعد للهيكل ليصلي متكلا˝ على أصوامه و التزامه بتقديم العشور كان حقيقية ما زال يحيا في الخطية , و كذلك اليهود الذين كان يقدمون المسيح للصلب لم يدخلوا دار الولاية لئلا يتنجسوا, و القائمة تطول و تطول, أجل إنه الإنسان في شره و فساده, يحاو. الاقتراب لله عبر فعل ما لا يتطلب قداسة داخلية , فيقترب بماله و بلسانه و بجسده, لكن القلب يبقى بعيدا˝, لذلك يقول عنهم الله : «لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا ».
إنهم كتلك التينة غير المثمرة التي تكلم عنها يسوع , و مصيرهم نفس المصير أي الموت.
إن ما يرضي الله ليس صلوات تؤدى أو أصوام أو شعائر, بل القلب المنكسر التائب, الروح المنكسرة التي تعلن عجزها و عوزها و حاجتها , فتتقدم بيدين فارغتين لعرش النعمة معتمدة على عمل المسيح و كفايته, فتنال الشبع و البركة و العون.
يقول الكتاب : يا ابني أعطني قلبك و لتلاحظ عيناك طرقي. فهل تفعل يا أخي و تتمتع بقوة التقوى لا بصورتها فقط؟
خادم الرب صموئيل سمعان