الشهوة المُقَدّسَة

الشهوة حالة قاتلة ومدمّرة جعلها الشيطان تدخل الى قلب الانسان لكي يُسقِطه ولكي يدمّره ويجعله بعيداً عن الله. عندما خلق الله الانسان لم تكن الشهوة داخل قلبه بل جعل الله امامه كل ما يريد وملّكه على كل مخلوقاته وسلّطَه عليها ولكن شجرة واحدة وثمرة واحدة نهاه الله عنها لكي يمتحن مدى طاعته والتزامه بوصيّته. هذه الشجرة لا تأكل منها ويوم تأكل منها موتاً تموت. وهذه اول مرّة في الكتاب المقدّس يُشار الى الموت حتى آدم نفسه لم يدرك ما معنى الموت إلا بعد السقوط. جلب الانسان لنفسه الموت والخراب والاوجاع والآلام وكل ضعف الجسد وذلك بسبب شهوته التي جعلته يكسر وصيّة الله ويدخل دائرة الموت.

بعد ان الحّ الشيطان على حواء لتأكل من هذه الشجرة وهو متمسكن في جسد حيّة يقول الكتاب المقدّس انّ امنا حواء نظرت الى الثمرة فرأتها جيّدة للاكل وانها بهجة للعيون وان الشجرة شهيّة للنظر.  فأخذت من ثمرها واكلت واعطت رجلها ايضاً فأكل. وهذه ايضاً المرّة الاولى التي يعرف فيها الانسان خطيئة الشهوة وهي كانت اولى عصيان الانسان عن الله. ادخل الشيطان الشهوة في قلب الانسان فكان السقوط والابتعاد عن الله. وهذه الشهوة لا تزال منذ نشأتها وهي تُكسر الانسان وتخضعه لاهوائها وملذّاتها وتُبعده عن الله وحنانه ومحبّته . كلنا سقطنا في فخّها وهي تعيش في داخلنا وتنتفض عندما نبتعد عنها فيأتي عدوّ النفوس لكي يُؤجّجها من جديد في نفوسنا ويجعلنا باستمرار خاضعين ومغلوبين.

عندما اعطى الرب الوصايا العشر لموسى ختم الرب الوصايا وجعل من وصيّة ان لا تشتهِ توازي ايضاً كل الوصايا وشدّد عليها لانّه يعلم ان بواسطتها استطاع الشيطان ان يغلب الانسان فقال:لا تشتهِ بيت قريبك ولا تشتهِ امرأة قريبك ولا عبده ولا أَمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك. ولكن اين نحن من وصايا الله التي هي القاعدة التي يرتكز عليها التعليم المسيحي والتي بها اي بحفظها نقترب الى الله. لنسأل الله ان يعطينا نعمة مضاعفة لكي نسلك في وصاياه وان لا  تأخذنا الشهوة الى ما لا يريده الله لنا.

الرب يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يُقبلون. جاء المخلّص من السماء الرب يسوع المسيح وعاش بيننا واخذ جسد بشرّيتنا وتألّم من اجلنا مات وقام لكي يعطينا حياة ولكي يجعلنا عروساً مجيدة امّة مقدّسة ويعيدنا الى ما افقدنا إيّاه ابليس وشرف الجلوس في حضرة الرب ولكن هذه المرّة مبرّرين ليس باعمالنا وما صنعته ايدينا إنما بالنعمة، بالدم الغالي الذي سفكه الرب يسوع المسيح من اجل كل واحدٍ فينا على خشبة العار لكي يزيل عارنا ويجعلنا كنيسة عفيفة مباركة. الشهوة القاتلة لا تزال تعيش في داخلنا ويتمسّك بها عدوّ النفوس لانّه يعرف اننا ضعفاء امامها ولكن كما يقول بولس الرسول انا قويّ بالمسيح يسوع الذي يقوّيني. يقول يشوع في العهد القديم من الكتاب المقدّس عن الشهوة:لا تكن تابعاً لشهواتك بل عاصِ اهواءك. فإنّك إن أبَحتَ لنفسك الرضى بالشهوة جعلتك شماتة لأعدائك. ومن هو العدوّ الاول للإنسان سوى الشيطان الذي لا يهدأ حت يُسقطه ويُفقده نعمة المسيح. وامّا بولس الرسول في معرض رسالته الى تلميذه تيموثاوس يقول له: امّا الشهوات الشبابيّة فاهرب منها واتبع البر والإيمان والمحبّة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلبٍ نقي. اما الرسول يوحنا وهو الذي سار مع المسيح في كل الظروف وتعلّم منه كإبن الانسان كيف يجب ان يعيش المؤمن ويسلك في رضى الله وهو ايضاً من كان يتّكئ على صدر الرب يسوع ويلتصق به وهذه اشارة لنا نحن ايضاً ان نكون قريبين من الرب في كل حين حتى لا نُخطئ اليه يقول في رسالته الاولى ويوصي:لا تحبّوا العالم ولا الاشياء التي في العالم. كل ما في العالم:شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظّم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. وايضاً الرسول العظيم بطرس الذي تعلّم من المسيح وتنقّى من عيوبه الجسديّة بمحبّة المسيح التي رافقته حتى الى دار الولاية حيث شتم وسبَّ وانكرَ انّه يعرفه ولكن نظرة المحبّة التي رماه بها الرب جعلته يبكي بكاءاً مرّاً ويندم على ما فعل وقبل صعود الرب الى السماء وبعد القيامة جعله الرب راعياً لخرافه ورسولاً كارزاً باسمه.

الرسول بطرس ايضاً تطرّق برسالته قائلاً: كأولاد الطاعة لا تُشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدّوس الذي دعاكم كونوا انتم قدّيسين في كل سيرة. اذا بعيدين عن الشهوة وقريبين من القدوس نحن مقدّسين به له كل المجد. كثيرة هي الشواهد في الكتاب المقدّس عن الشهوة وتدميرها ليس لجسدنا فقط انما ايضاً لأرواحنا. ولكن هناك شهوة مقدّسة صدرت من قلب ربّ الكون وهي المرّة الاولى ايضاً الذي يذكر فيها الرب انّه يشتهي ولكن شهوة مقدّسة لانّها صدرت من قلب القدّوس ربنا يسوع المسيح حين اجتمع مع التلاميذ في الليلة الاخيرة وقال بحسب انجيل لوقا:شهوة اشتهيت ان آكل الفصح معكم قبل ان اتألّم. هذه الشهوة مقدّسة نابعة عن محبّة لا حدود لها عن نبعٍ جارفٍ من الحب لا ينضب ولا يتوقّف. هل نستحق كل هذا الحب يا رب انك انت رب الكون تشتهي ان تكون معنا وتجلس معنا وتأكل معنا؟ نحني رؤوسنا لك يا رب امام هذه المحبة ونسألك ان تسامحنا لاننا غير مستحقّين تلك المحبة ونقول لك شكراً من القلب سائلينك ان تهبنا شهوتك المقدّسة لكي نردد مع الرسول بولس ونقول :ليَ إشتهاء ان انطلق واكون مع المسيح وذلك افضل جداً. آمين

 

الكنيسة المسيحية العربية