هل حقاً هناك خطية لا يغفرها الله؟

هل الإله المحب غافر الآثام لا يغفر في وقت ما؟ سؤال يحير الكثيرين عند قراءة الكتاب المقدس وأمام آيات عميقة في فهمها. لقد قرأ لي صديقي المشكك هذه الآيات في حيرة واستغراب “كل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له” (لو12: 10)، “لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يغفر للناس وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له لا في العالم ولا في الآتي” (متى12: 31، 32).

نحن نعلم أن هذه الكلمات قالها الرب يسوع بفمه النقي الصادق. وهو يعلن عن خطية لا تغتفر. وهى خطية التجديف على الروح القدس. هل هى خطية أبدية لن يغفرها الرب مهما تاب الإنسان عنها؟ وأخشى ما أخشاه أن أكون قد سقطت في هذه الخطية دون أن أدري وبهذا يكون قد ضاع مستقبلي الأبدي وأنا هالك لا محالة. قد أكون ارتكبتها سرًا أو سهوًا عن دون قصد. فأحيانًا في قسوة الظروف والألم يلعن الإنسان يومه وكل شىء ويلوم الله في آلامه. فهل يوجد رجاء. ألا يوجد غفران؟

وبعدما استمعت لهذا الصديق المشكك والمتألم، لابد أن أجيب عليه بالحكمة الروحية المنسكبة بالروح القدس في كلمة الله المباركة.

الرد:

لابد أن نفهم وندرك مدى عمق وقوة الغفران الإلهي. فهذا في طبيعة وجوهر الله ذاته وهذا ما نراه في “إلهنا المثلث الأقانيم”.
لقد تحدث الله إلى موسى على الجبل قديمًا: “الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء حافظ الإحسان إلى ألوف غافر الإثم والمعصية والخطية” (خر34: 6، 7)، كما تنبأ عنه ميخا النبي قائلاً: “من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يسر بالرأفة” (ميخا7: 18).

كما أن الآب يقبل توبة الخاطي إذ يقول: “ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران” (إش55: 7).
وكذلك الابن أيضًا وهو بهاء مجده ورسم جوهره أتى إلى عالمنا ليغفر الخطايا، فهو صاحب القول: “مغفورة لك خطاياك” (متى9: 2) وقدم نفسه ذبيحة وقربانًا ليدفع ثمن خطايانا على صليب الجلجثة ويسدد مطاليب العدل الإلهي، ليكون لنا غفران كامل.

وهكذا وعظ بطرس يوم الخمسين قائلاً: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا” (أع2: 38)، “له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا” (أع10: 43).
وشهد الرسول بولس عن غفرانه المبني على سفك دم الرب يسوع ودفع ثمن الخطية لننال الغفران الكامل “الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته” (أف1: 7).
فغفران المسيح كامل على حساب العمل الكامل في الصليب. لذلك ثق في غفرانه الكامل.

لكن ما هى خطية التجديف على الروح القدس؟

أتت هذه الكلمات في سياق شفاء الرب للمجنون فقال الجموع: “ألعل هذا هو ابن داود؟”، أى المسيا المخلص، لكن هاج الفريسيون وقالوا إنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين” (متى12: 24).
وهكذا ظهرت خطية التجديف على الروح القدس. فبدلاً من أن يعترفوا بقوة الروح القدس المحررة للمجنون الذي يسكنه ويقيده الشيطان، ظنوا أن الشيطان يعمل في الرب يسوع. فهم بهذا يبدلون قوة الروح القدس بقوة إبليس. وهنا تعني خطية التجديف على الروح القدس أمرين:

1- رفض الفريسيين المتعمد والمستمر لعمل المسيح ابن الله الآتي إلى العالم مع أنهم عرفوا أنه من الله. وعرفوا أن الروح القدس يقوده ويؤيده.
فهو “روح الحياة في المسيح يسوع” (رو8: 2)، لكنهم رفضوه وأنكروه عمدًا وقصرًا. لقد عرف الفريسيون والكتبة أن المسيح هو ابن الله الآتي إلى العالم ورأوا معجزاته وأعماله وتحققوا من نبوات العهد القديم أنه هو (يو11: 48).
لكن خوفهم على مراكزهم دعاهم إلى نكران عمل المسيح. لهذا رفضوا السيد مع سبق الإصرار والترصد له. وظلوا في قساوة قلوبهم حتى النهاية بلا رجوع أو توبة.

2- إنكارهم لعمل الروح القدس الذي يحرر من قبضة إبليس ويعطي حياة أبدية لكل من يؤمن. ونسبوا هذا العمل إلى الشيطان. فهم ينكرون قوة الروح القدس المحررة والمغيرة. هذا ما يسميه الرب يسوع (الولادة بالروح) “المولود من الروح هو روح” (يو3: 6). فالروح القدس يغير ويحرر من عبودية الشيطان إلى الحرية الحقيقية في المسيح. ومن ينكر هذا العمل، يرفض الإيمان المسيحي كله ويرفض الخلاص الأبدي.

3- أتت كلمة “التجديف” في الترجمة الإنجليزية (KJ ) باللفظ (blasphemy ) وهى تعني الكفر وسب الله. وكل من يهين ويحتقر الله ويستمر هكذا حتى نهاية حياته، لن يكون له فرصة أخرى للنجاة من الدينونة الأبدية. ولن يكون هناك فرصة للتوبة بعد انتهاء الحياة على الأرض (أُغلق الباب).

4- تأتي هذه الكلمة في الترجمة المبسطة للكتاب المقدس باللفظ (ازدراء) أى احتقار. وهذا هو مصير كل من يحتقر ويستهين بعمل الروح القدس المرسل لكى يحرر ويخلص البعيدين. لهذا أتى تحذير الرسول بولس: “أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة، لكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة” (رو2: 4، 5).

ولكن هل هناك فرصة للتوبة؟
سيظل هذا الشعار موضوع على باب الخلاص الإلهي “من يقبل إلى لا أخرجه خارجًا” (يو6: 37). ففرصة التوبة حتى على هذه الخطية مستمرة حتى نهاية الحياة. لكن بعدها ستنتهي الفرصة وتضيع فرصة التوبة ونوال الغفران. فهل تقبل إليه؟!
بقلم د. إيهاب البرت – جمعية خلاص النفوس