س: هل يستجيب الله لنا كل طلبة نطلبها منه أم لابد أن تكون الطلبة بحسب مشيئة الله؟وما هو قصد المسيح بما قاله في إنجيل متى “اسألوا تُعطَوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتَح لكم. لأن كل من يسأل يأخذ. ومن يطلب يجد. ومن يقرع يُفتَح له.” وهنا لم يشترط الرب إننا لابد أن نطلب حسب مشيئتهِ وإلا لن يستجيب لنا الطلبة.
ج: الله يستجيب لنا كل طلبة تتفق مع مشيئتهِ الصالحة إذا كنا نطلبها بإيمان، فهو يستجيب بحسب مشيئتهِ وحكمتهِ وطريقتهِ وفي وقتهِ. لكن إن طلبنا طلبة لا توافق مشيئتهِ، فلرحمة الرب بنا لا يستجيب لنا، والأعداد التالية مباشرة للنص الكتابي موضوع السؤال تقول “أم أيُّ إنسانٍ منكم إذا سألهُ ابنهُ خبزاً يُعطيهِ حجراً. وإن سأَلهُ سمكةً يُعطيهِ حيًّةً. فإن كنتم وأنتم أشرارٌ تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يَهَبُ خيراتٍ للذين يسألونهُ.” فهذهِ الآيات تُجيب على السؤال، فالمسيح أعطانا فيها مثلاً قائلاً: إذا طلبَ منك ابنُك خبزاً ليأكل، هل تعطيهِ حجراً ليأكله، أو طلب منك سمكة، هل ممكن أن تعطيهِ حيّةً. مستحيل، لكن إذا افترضنا إن الابن طفل صغير وغير فاهم وطلب من أبيهِ أن يأكل حجراً أو حيّةً. هل يستجيب له أبوه، مستحيل لأن الأب لا يقبل ضرر أولاده بل يرعاهم ويعلِّمهم أن الحجر لا يؤكَل، والحيّة لا تؤكَل، فالأب لا يُعطي أولادَه عطايا ضارَّه تجرحهم أو تلدغهم حتى لو طلبوها، وهكذا فسَّر المسيح كلامه عندما قال “فإن كنتم وأنتم أشرارٌ تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيده فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يَهَب خيراتٍ للذين يسألونهُ.” وإذ يقول المسيح هنا “كم بالحري” يعني إنه حتى لو أخطأ الأب الأرضيّ لضعف إدراكهِ، أو لعدم قدرتهِ على تربية أولادهِ التربية الصحيحة وأعطَى لهم عطيّة ليست جيده، لكن الآب السماوي في قدرتهِ ومحبتهِ التي لا حدود لها لا يمكن أن يَهَبنا إلاّ الخيرات والنّعم والهبات التامة، ومكتوب “لا تضلُّوا يا اخوتي الأحباء. كلُّ عطَّيةٍ صالحةٍ وكل موهبةٍ تامة هي من فوق نازلةٌ من عند أبي الأنوار الذي ليس عندهُ تغييرٌ ولا ظلُّ دوران.” فحينما قال المسيح “اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتح لكم.” كان يقصد بادئ ذي بدء أن نسأل الخيرات وليس الحيات، لذلك وردت هذه الآية صراحةً في سفر عاموس “اطلبوا الخير لا الشرَّ لكي تحيوا فعلى هذا يكون الرب إله الجنود معكم كما قلتم.”
س: ولكن هل يقصد المسيح أن نطلب الخيرات الروحية فقط أم الخيرات الزمنية أيضاً؟
ج: في إنجيل لوقا أجاب المسيح على هذا السؤال قائلاً: “فإن كنتم وأنتم أشرارٌ تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيده فكم بالحري الآب الذي من السماءِ يعطي الروح القدس للذين يسأَلونه” فهنا يفسّر المسيح الخيرات بالروح القدس، والروح القدس هو الذي يعلّمنا ويرشدنا ويعزينا ويقودنا إلى معرفة مشيئة الله والاستمتاع والتلذذ بتنفيذ هذه المشيئة في حياتنا بكل فرح. ومشيئة الله بالنسبة لنا تختص بالعطايا والخيرات الروحية، وأيضاً الزمنية، فالروح القدس حينما نمتلئ به نعيش حياتنا في رضا الله من الناحية الروحية في عبادتنا وسلوكنا المقدس وتعاملنا مع الآخرين بحسب المكتوب، وهكذا. ومن الناحية الزمنية أيضاً حينما نمتلئ من الروح القدس نعرف كيف ندبر أمور حياتنا وبيوتنا، كيف نتصرف في الأزمات والأمراض والتجارب بكل أنواعها، وهكذا فلا يوجد هناك مصدر للعطاء إلاّ في شخص الله، والإنسان الذي يحب الله يستمتع بأن يطلبه دائماً ومن كل القلب كما هو مكتوب “اطلُبُوا الربَّ وقدرتهُ. التمسوا وجههُ دائماً.” ويجيب الله قائلاً “وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبِكم.”
س: هل معنى هذا إن الله لا يستجيب إلى صلاة الإنسان الخاطئ؟
ج: مكتوب “لأنهُ هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنهُ الوحيد لكي لا يهلك كلُّ مَنْ يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبديَّة.” فالله يحب الخاطئ ويستجيب له الطلبات التي هي لخيره ولا يستجيب له الطلبات التي لضرره، وفي كل تعاملات الله مع الإنسان الخاطئ يريد الله أن يُظهر محبتهُ للخاطئ ولطفه به ومراحمهُ لهُ لعلَّ هذا يقود الإنسان الخاطئ إلى الإيمان والولادة الجديدة من فوق. بحسب المكتوب “أم تستهين بغنى لطفهِ وإمهالهِ وطول أناتهِ غير عالمٍ أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة.” بل أن الله يُظهر هذا اللطف وهذه المراحم حتى لو لم يطلبها الإنسان غير المؤمن، ولنفس الغرض لعلها تقوده إلى التوبة، لذلك مكتوب “فإنه مُنعمٌ على غير الشاكرين والأشرار.”
وحينما يستجيب الإنسان الخاطئ لتعاملات الله وينكسر قلبه ويصلي صلاة التوبة وطلب الخلاص، فإن السماء تفرح جداً وتسرع باستجابة هذه الصلاة. مكتوب “يكون فرحٌ في السماءِ بخاطئٍ واحدٍ يتوب”فحينما يدرك الإنسان الخاطئ أنه خاطئ، وأن الله يحبهُ ويريد أن يرحمه ويخلصه من خطاياه فيتضع الخاطئ وينكسر قلبه أمام الله ويصرخ في تذلل قائلاً “اللّهمَّ ارحمني أنا الخاطئَ.” حينئذٍ يرحم الله الإنسان ويُنعم عليه بالنعمة المخلِّصة، فيتبرر مجاناً بنعمة المسيح وهذا ما يسميه الكتاب المقدس الولادة من فوق، أي الولادة من كلمة الله والروح القدس. وقد علمنا المسيح في إنجيل يوحنا قائلاً “المولود من الجسد جسدٌ هو والمولود من الروح هو روح…. ينبغي أن تولدوا من فوق.”فكلنا وُلدنا من آدم الأول الذي هو من تراب لذلك ستعود أجسادنا إلى التراب كما قال الله لآدم “لأنك ترابٌ وإلى ترابٍ تعود”لكن الولادة الجديدة التي هي الولادة من فوق فهي ولادة من السماء، من آدم الأخير الذي هو شخص المسيح، كلمة الله، وهذه الولادة هي بمشيئة الآب وعمل الروح القدس، أي يعطي هذه الولادة الله المثلَّث الأقانيم، الآب والابن والروح القدس. فمن يُولد هذه الولادة يتم فيه القول “والمولود من الروح هو روح.” فحينما ينتهي عمره على الأرض، يذهب الجسد إلى التراب مع آدم الترابي، لكن النفس والروح تصعدان إلى السماء مع المسيح السماوي، لذلك تفرح السماء جداً بخاطئ واحد يتوب، لأنه بهذه التوبة ينجو الخاطئ من الهلاك ويستمتع بالحياة الأبدية، فالله يحب الإنسان جداً.
أما بعد توبة الإنسان فسيُدخِلهُ الله إلى أعماق الشركة معه، وكلَّما تمتع الإنسان بالعمق الروحي مع الله، كلَّما أدرك إرادة الله أكثر وكلما صارت طلباته موافقة لمشيئة الله أكثر وممتلئة بالخيرات كما هو مكتوب “وهذه هي الثقة التي لنا عندهُ أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئتهِ يسمع لنا. وإن كُنَّا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه.”
وهنا نأتي إلى ختام الأمر بالقول أن أمام الإنسان طريقٌ من اثنين في الطلب من الله، إما طريق الأشرار ومكتوب عنه “تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون ردياً لكي تنفقوا في لذاتكم” أو طريق الأبرار ومكتوب عنه “ومهما سألنا ننال منهُ لأننا نحفظ وصاياهُ ونعمل الأعمال المرضيَّة أمامهُ.”
الله يُحكِّمنا فنقبل خلاص المسيح فنسلك في طريق الأبرار، ومكتوب “لأن الربَّ يَعلَم طريق الأبرار. أما طريق الأشرار فتهلك”ليُنعم الله علينا ويقودنا في الطريق والحق والحياة. آمين
المأمورية العظمى