لماذا لا يُظهر الله نفسه للعالم فيؤمن به الجميع؟

“فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ (للمسيح)… إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ هذِهِ الأَشْيَاءَ فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَم … لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ شَيْئًا فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلاَنِيَةً … لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ.” ” طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا ”

– الإيمان بالله والمسيح هو الإيمان بالحق.

– المسيح – تبارك اسمه- قال ” أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.” ( يوحنا 6:14). ومكتوب عنه ” وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” ( 1 يوحنا 20:5). والحق لا يتبع ولا يختَّص بالزائل والمتغيّر، والذي هو غير حق و غير حقيقي بالضرورة.

– كل ما هو غير حق فهو كَذِبْ. العالم الذي نعيش فيه ليس حق لأنه متغير و زائل. والشيطان أبو المتغيرات و الكذب : ” أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.” ( يوحنا 44:8). لذلك قيل أن العالم أُعطِيَ للشيطان: ” نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ.” ( 1 يوحنا 19:5).

– لذلك يقول الكتاب المقدس عن الإيمان ” وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.” (عب1:11). إذن ، الإيمان الحقيقي ليس في متناول الواقع ولا هو في متناول الرؤية بالعين، أي ليس في دائرة العالم. وبالتالي ليس واقعاً تحت سلطان الشيطان، بل هو فائق علي مستوي المتغيرات والعالم والشيطان.

– فكيف نستطيع أن نعرف الله و نؤمن به الإيمان الحقيقي إن كان الأمر أرفع من مستوي المنظور والمسموع وأعلي من مستوي العقل والتعليم والقراء والفهم ؟ . هنا تتضح حقيقة أن الإيمان بالله والمسيح هو عطية وليس مقدرة ، يقدمها الله لكل من يَقبَل ” لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ … أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ ..” ( فيلبي 29:1). – الله يُعلِن ذاته ولا تُقتَحم معرفته لأنه ليس عِلمٌ يُفحَصْ : ” يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا ؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟ ».” ( رومية 33:11).

– هنا يأتي مفهوم إستعلان الحق في الإيمان المسيحي. والمقصود به كشف المستور أو الدخول إلي جوهر المعني أو جوهر الكلمة، وهو حاسة فائقة علي الفهم والعقل ” وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي.” ( يوحنا 21:14) .

– هذا الإستعلان الذاتي لشخص الله والمسيح لا يختص بما هو بشري ولا حتي يُحَسُّ به في القلب ( فوق المشاعر والأحاسيس) لأنه يختص بالروح والحق : ” بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قلب إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ».” ( كورنثوس الأولي 9:2). هذا هو الإيمان الذي اختبره بولس الرسول ووصفه بأنه ” سِرِّ الْمَسِيحِ ” ( أفسس4:3) وقال عنه ” لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” ( غلاطية 12:1).

– الإيمان بالمسيح والحق هو عمل روح الله في القلوب. يقدمه الله لكل إنسان. وهو مستور في كلمة الإنجيل. هو في متناول الجميع بِدأً من بولس الرسول معلم اليهود وحتي الأطفال و الأميين والذين لا يقرأون : ” وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ وَقَالَ:«أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ».” ( لوقا 21:10). . الله ظهر لصموئيل الطفل وتكلم معه ولم يتكلَّم مع معلمه عالي الكاهن.

– فإستعلان الحق الإلهي لا يتوقف علي علم أو معرفة أو قامة بل هو لكل من يحب الحق و يطلبه ” فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ … وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ، الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ؟ فَكَيْفَ يَقُولُ هذَا: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ؟». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ.لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ…اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ.” ( يوحنا 41:6). والمجد لله.

د. رؤوف إدوارد – calam1.org