كيف نواجه التعاليم المنحرفة؟

“أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ. بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهَذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ. أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ. هُمْ مِنَ الْعَالَمِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُونَ مِنَ الْعَالَمِ، وَالْعَالَمُ يَسْمَعُ لَهُمْ. نَحْنُ مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا. مِنْ هَذَا نَعْرِفُ رُوحَ الْحَقِّ وَرُوحَ الضَّلاَلِ” (1يوحنا 4: 1-6).

لو وقف أمامنا رجلان يلبسان نفس الزى وكل منهما يدعي أنه رسول من الله ويبدأ كلامه بالتعبير “هكذا قال الرب” هل يمكن أن نكتشف أيهما يقول الحق وأيهما لا يقوله؟ وكيف؟
لقد انتشرت في الأونه الأخيرة أفكار مضلله وخرافات عجائزية وهرطقات متنوعه بعضها في الفكر وبعضها في السلوك – بعضها يمسنا من قريب والآخر من بعيد ولعل آخرها وأقربها إلى الذهن شفرة دافنشي وغيرها من الأكاذيب وحديثنا هنا لا ينصب على هذه القضية على وجه التحديد ولكننا نحاول أن نتصدي لجذور المشكلة بصفه عامة إذ نحاول الإجابة على سؤال:
كيف نواجه التعاليم المنحرفة؟
عادة يميل الناس البسطاء إلى قبول كل تعليم على أنه وحي من الله دون تفكير أو نقد و هذه مشكلة خطيرة أن يرى البعض كل ما هو فوق طبيعي على انه إلهي وهذا خطأ محفوف بالمخاطر كما يقول فندلاي Findlay فقد سيطرت على مر الزمان الخرافات على عقول الكثيرين كوحش مسيطر كاسر والمشكلة أن الناس أحبت هذا الوحش ولم تقاومه.
وهنا وفي هذا النص من كلمة الله يقودنا يوحنا الرسول إلى الطريقة التي من خلالها يمكننا أن نميز بين ما هو حق وما هو باطل بين الجمال والقبح بين التعليم الصحيح والتعليم غير الصحيح بين المعلمين الحقيقيين والمعلمين الكذبة.
وقد لخص لنا يوحنا هذه الطريقة في العدد الثاني عندما قال “بهذا تعرفون روح الله كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله”.
ونحن نستطيع أن نقولها بطريقة أخرى إذ يمكننا أن نسأل أنفسنا دائماً ونحن نستمع إلى أي معلم أو خادم أو كاتب أو قناة فضائية :-
1. ماذا يقولون؟
2. كيف يعيشون؟
أولاً : ماذا يقولون؟
الأعداد (1- 3)، الإيمان المسيحي ليس إيماناً ساذجاً أو سطحياً بل يفحص ويمتحن كل شيء والامتحان هنا هو كشف العملة الصحيحة من الزائفة لأنه كما يقول أحدهم خلف كل نبي أو متكلم أو كاتب روح وخلف كل روح إما الله أو الأكاذيب. لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم وقد سبق الرب يسوع وحذرنا “مرقس 13 : 21” وكذلك الرسول بولس في (أعمال 20 : 29)
هذا يعني أن هناك مسئولية مشتركة علينا كأفراد ينبغي أن نفحص ونميز وندقق ولا نكون محمولين بكل ريح تعليم وككنيسة وجماعة ترى وتقود موجهة ومصححة كأهل بيريه الذين كانوا أشرف من الذين في تسالونيكي إذ قبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا؟ (أعمال 17 : 11).
ولعلنا نستطيع أن نكتشف بسهولة جماعة كشهود يهوه إذ أنهم ينكرون لاهوت المسيح بوضوح ولكن المشكلة الحقيقية في رأيي أن هناك جماعات ليست بقليلة منتشرة في كنائس كثيرة لا تنكر لاهوت المسيح ولكنها تقدم تعاليم خاطئة ولعل هذه الأسئلة التالية إذا سألناها لأنفسنا وأجبنا عليها بأمانه تساعدنا على أن نكتشف نوع التعليم وصحته وهذه الأسئلة هي :-
 هل هذا التعليم يتفق مع مضمون كلمة الله؟
 هل هذا التعليم يشجع الكنيسة على عبادة الله وطاعته؟
 – هل هذا التعليم يعمق ترابط الجماعة كلها معاً؟
 هل هذا التعليم يعمق في الجماعة الانتماء للكنيسة المحلية؟
 هل هذا التعليم يعلن فقط ما يود الناس سماعه أم يقدم إنجيلاً كاملاً فيه البركات وفيه المسئوليات؟
وهذا يعني إننا نحتاج أن نمتحن كل شيء فينا وحولنا (يمكننا الرجوع إلى تثنيه 13 : 1 – 5، إرميا 23 : 15 – 25، 28، 38).
ثانياً: كيف يعيشون؟
الأعداد (4 – 6)، كانت الفكرة الأولى تواجه التعاليم المنحرفة من خلال السؤال ماذا يقولون؟ أي مضمون التعليم الذي يقدمونه. المحك الثاني كيف يعيشون. وهو المحك العملي الذي نراه في سلوك وحياة هؤلاء المعلمين وفي حياة من يسمعونهم ويتبعونهم.
لاحظ معي الضمائر التي استخدمها يوحنا في الأعداد من 4 -6 حيث يقول:
(أنتم من الله: هم من العالم).
(الذي فيكم: الذي في العالم).
(نحن من الله: هم من العالم).
وهنا يقول يوحنا أنهم يعيشون كأهل العالم لا يختلفون عنه في شيئ لأنهم مخادعون ويضع لنا الكتاب المقدس صوره واضحة لحياة هؤلاء المعلمين الكذبة فهم:-
 يظهرون بأنهم يتكلمون برسالة الله لكنهم في الواقع لا يعيشون بحسب مبادئه.
 يتكلمون كثيراً عن التواضع والوداعة ويطالبون الناس به بينما هم ممتلئون كبرياء وأنانية وحباً للذات.
 يطالبون الجماعة بالخضوع لهم وحدهم وعدم مناقشتهم في كثير من الأشياء بينما هم لا يخضعون لأحد وينمون في سامعيهم تحدياً لعدم الطاعة أو الخضوع لأحد غيرهم.
 أنهم لا يقبلون الآخر المختلف عنهم شكلاً أو موضوعاً.
 الغفران والتسامح قيم لا تعرف طريقها إلى حياتهم.
أما أولئك الذين بالفعل هم من الله فلديهم ألفة وتجاذب بينهم وبين كلمة الله. لهذا قال الرب يسوع: “خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي”، “وَأَمَّا الْغَرِيبُ فلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ” أما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه (يوحنا 10 : 27، 5)، ولعل هذا يذكرنا بما كتبه الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس في الرسالة الأولى الإصحاح الرابع إذ يقول “وَلَكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ” ثم يختتم الرسول بولس حديثه بالقول “إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهَذَا تَكُونُ خَادِماً صَالِحاً لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، مُتَرَبِّياً بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ. وَأَمَّا الْخُرَافَاتُ الدَّنِسَةُ الْعَجَائِزِيَّةُ فَارْفُضْهَا، وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى” (1تيموثاوس 4: 1-7).
وهنا نأتي عزيزي القارىء إلى بعض الملاحظات الختامية والضرورية :-
 ختم يوحنا الإصحاح السابق (3) بوصية أن نحب بعضنا بعضاً وبدأ الإصحاح الرابع بطلبة أن نمتحن الأرواح هل هي من الله؟ وهنا نلاحظ الدعوة المزدوجة لأن نحب ولأن نمتلك القدرة على النقد الإيجابي وتمييز ما نسمعه وما نقرأه.
وهذا ما يؤكده الحكيم سليمان في سفر الأمثال 14 : 15 “الغبي يصدق كل كلمة والذكي ينتبه إلى خطواته الحكيم يخشى ويحيد عن الشر والجاهل يتصلف ويثق”
 الله نور ولكنه يوماً ما لم يكن معلناً بالنسبة لنا لقد كان الله النور مجهولاً أما الآن فالله في النور كما يقول يوحنا إن سلكنا في النور كما هو في النور والمسيح قال عن نفسه من رآني فقد رأى الأب إذاً في المسيح نحن نعرف الله ونعاينه وبعيداً عن المسيح نحن نعبد إلهاً مجهولا وهذا ما يعلمه لنا الكتاب المقدس فكيف يمكن بعد هذا أن نسلم أنفسنا لفكر يقدم لنا أوهاماً وأحلاماً رآها في الظلام والمنام بينما عندنا الكلمة النبوية وهي أثبت.
 استخدم الله ما يسمى بالإعلان المتدرج فمثلاً في “مزمور 19 ” يعلن لنا الله عن نفسه في الجزء الأول من المزمور من خلال الطبيعة وهذا هو الإعلان العام “السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه……” أما في النصف الثاني من المزمور فيعلن لنا عن نفسه من خلال الكلمة وهذا هو الإعلان الخاص “ناموس الرب كامل يرد النفس… “.
وهذا ما يؤكده لنا كاتب رسالة العبرانيين عندما يقول “الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه” وفي قراءة أخرى للأب متى المسكين يقول فيها “على أجزاء كثيرة وبطرق عديدة كلم الله قديماً الآباء بالأنبياء أما في هذه الأيام الأخيرة كلمنا في ابنه وفيه كان كمال الإعلان.
وهذا الإعلان الذي كان قبل المسيح انتهى مرة واحدة بدخولنا في عصر الأيام الأخيرة حيث الابن شخص واحداً وحيد كامل في كل شيء أستعلن في ذاته الاستعلان الكلي والنهائي.
 الله سيدين من يِخدع ومن يُخدع وهذا ما يؤكده سفر الرؤيا 22 : 15 “لأن خارجاً الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان وكل من يحب ويصنع كذباً – كل من يحب الكذب وكل من يصنعه”. من يخدع ومن يُخدع.
لذلك فلننتبه عزيزي القارىء ولنمتحن كل شيء حولنا وفينا حتى لا يضلنا أحد ولا نضل أنفسنا.

 

الحياة المنتصرة