ما معنى التبني ؟ وهل يمكن ان يتبناني الله ؟ هل لدي الله تبني ؟ ام مجرد كفالة فقط ؟ وما هو الامتياز ان احصل على هذا التبني ؟ وكيف يمكن ان يتبناني الله ؟ و حتى نجيب علي هذه الاسئلة و نشرح جيدا هذه اللفظة . علينا ان نعرف الخلفية التاريخية والكتابية التي جاءت منها هذه الكلمة. حتى لا نقول فيها ما لا يقال . او نقلل من اهميتها.
الانتساب الى عائلة الله معناه ان الله يتبنى شخص ما . والتبني فعل قضائي . اي انه هبة مجانية للمقام وليس لغرس شئ فينا . انه يختص بالعلاقة وليس بالميل . اي بعلاقتي بالله وليس بميلي نحو الله. ويصبح التبني مدركا عمليا بخدمة الروح القدس فينا (غلاطية 4: 6 – رومية 8: 15-16)
اذن ما معنى التبني ؟ وهل يمكن ان يتبناني الله ؟ هل لدي الله تبني ؟ ام مجرد كفالة فقط ؟ وما هو الامتياز ان احصل على هذا التبني ؟ وكيف يمكن ان يتبناني الله ؟
و حتى نجيب علي هذه الاسئلة و نشرح جيدا هذه اللفظة . علينا ان نعرف الخلفية التاريخية والكتابية التي جاءت منها هذه الكلمة. حتى لا نقول فيها ما لا يقال . او نقلل من اهميتها.
اولا عند اليهود في التوراة والمزامير وكتب الانبياء لا توجد هذه الكلمة . لكن يوجد ما يدل عليها مثل :
1- يعقوب يتبني ابني يوسف (منسى وافرايم ) حتى يستطيع مساوات كل واحد منهم باعمامهم في الميراث.(تكوين 48: 5 والآن ابناك المولودان لك في أرض مصر قبلما أتيت إليك إلى مصر هما لي. أفرايم ومنسىكرأوبين وشمعون يكونان لي. ) اذن تبنى يعقوب اولاد يوسف لكي يتساوى نصيبهم في الميراث مع ابناء يعقوب انفسهم.
2- نعمى حماة راعوث تبنت ابن راعوث المولود حتى يرث كل ميراث زوجها المتوفي (راعوث 4: 16-17 : فأخذت نعمي الولد ووضعته في حضنها وصارت له مربية.وسمته الجارات اسماقائلات: ((قد ولد ابن لنعمي)) ودعون اسمه عوبيد. هو أبو يسى أبي داود.)
3- مردخاي تبنى استير لانها فقدت ابيها وامها . كان مردخاي ابن عمها وصار ولي لها. وبحسب التلمود (تل بابل سنهدرين 19ب؛ مجلوت 13أ) فان (ولي اليتيم) هو ذلك الذي تبناه. ( استير2: 7: وكان مربيا لهدسة (أي أستير) بنت عمه لأنهلم يكن لها أب ولا أم. وكانت الفتاة جميلة الصورة وحسنة المنظر وعند موت أبيهاوأمها اتخذها مردخاي لنفسه ابنة.) اي ان التبني هنا لاسباب . حيث لا عائلة لاستير . اصبح مردخاي عائلتها.ولا عائل لاستير فاصبح مردخاي عائلها. ومن يقرأ سفر استير يعرف الدور الرائع الذي لعبه مردخاي مع استير .
4- ابنة فرعون تبنت موسى (خر 2: 10 : ولما كبر الولد جاءت به إلى ابنة فرعونفصار لها ابنا ودعت اسمه ((موسى)) وقالت: ((إني انتشلته من الماء)). ) وكان من المفترض انه اميرا للبلاد مثله مثل باقي ابناء فرعون . ونفس القصة حدثت في (ملوك الاول 11: 20)
اذن بحسب الفكر اليهودي كان التبني يحدث من اجل الميراث ومن اجل وجود عائله لمن لا عائله له. ومن الواضح انه كان يحدث بين اليهود فقط وفي وسط العائلة نفسها . اما عند الشعوب الاخرى مثل المصريين كان ليس لديهم مشكلة في تبني احد العبيد او الاسرى كما حدث مع موسى.
ثانيا التبني عند الرومان:
كانت الدولة الرومانية تعطي الاباء سلطة واسعة جدا على الابناء . حتى انه كانت تتم معاملتهم مثل العبيد . لا يفرق شئ بينهما. وحتى يتحرر هذا الابن من سلطة هذا الاب القاسي كان لابد على رجل اخر روماني ان يتبناه. فيدفع للأب ثمنه ويأخذه لديه ويعطيه كل حقوق ابناءه الاخرين.
اذن التبني كان يحدث بين الاحرار وليس بين العبيد . لكن رغم كونهم احرار فقد كانت حياتهم مثل العبيد بسبب الوصاية الابوية الممنوحة بالقانون الروماني القاسي على الابناء . وكان التبني هو بمثابة الحرية للابن من هذا الاب القاسي. وايضا كان يعطيه حقوق الابناء في الميراث وفي كل شئ عند الرجل الذي تبناه.
ثالثا التبني عند اليونانيين :
كان يحق لاي انسان يوناني ان يتبني اي ذكر يعطيه كل حقوق الابناء ولكن ايضا عليه ممارسة واجبات الابناء الدينية والالتزامات القانونية. وكان يتم ذلك في حياة هذا الرجل او ان يكتب وصية يتم تنفيذها بعد مماته. فكان يمكن ان يحدث التبني بعد موت الرجل الذي سيتبني شخص ما.
في كل مما سبق نجد ان الاب او من سيتبني شخص ما كان هو الذي يبادر وهو الذي يذهب ويدفع ويقدم كل الحقوق والوثائق. حتي ينتقل الانسان من عائلة الى عائلة اخرى يتمتع بكامل حقوق الابن في العائلة الجديدة وكذلك عليه كل واجبات الابناء ايضا في هذه العائلة.
وبعد ان استعرضنا الخلفيات المختلفة التي قد تكون أثرت على كتبة العهد الجديد في اختيارهم لهذه اللفظة بالاخص (التبني) لنرى جيدا ماذا يقول العهد الجديد بخصوص التبني .
اولا بولس فقط هو الوحيد الذي ذكر لفظة التبني بكل صراحة. في خمسة مواقع فقط ثلاثة منها في رسالة رومية ثم غلاطية ثم افسس. لقد طبقها مرة في رومية (رومية 9: 4) على اسرائيل كأمة . ومرة للادراك الكامل للتبني في المجئ الثاني للمسيح (رومية 8: 23) وثلاث مرات كحقيقة حاضرة في حياة المؤمن المسيحي ( رومية 8: 15-16 – غلاطية 4: 5 – افسس 1: 5)
ومن دراستنا لشخصية بولس نعرف انه شخص يهودي كان يعيش بين اليهود الهيللينيين (المتأثرين بالثقافة اليونانية) ويحمل الجنسية الرومانية. نرى انه تأثر بكل هذه المفاهيم.
سؤال راودني وهو (هل بولس هو من اخترع امر التبني ؟) من خلال الدراسة المتأنية لكلمة الله نعرف ان بولس لم يخترع هذا الامر بل وضع المصطلح الذي كان مفهومه موجودا في الاناجيل ومعروفا لكل رسل المسيح. وهذا ما ساوضحه في النقطة التالية حيث سابين الاندماج الشديد بين بولس وباقي كتب العهد الجديد .
ثانيا مفهوم التبني في العهد الجديد :
قبل التبني :
– كنا ندعي ابناء ابليس اي اننا من عائلة ابليس
يوحنا 8: 44 أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب.
– وهذا وضحه الرسول بولس ان المقصود بابناء ابليس هو اننا ابناء المعصية :كولوسي 3: 6الأمور التي من اجلها يأتي غضب الله على ابناء المعصية،
افسس 2: 2التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم، حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية،
افسس 5: 6لا يغركم أحد بكلام باطل، لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية.
اي اننا تحت سلطان ابليس ونفعل ارادته وليس ارادة الله وبالتالي فنحن ابناءه
– ونتيجة لاننا ابناء المعصية فمن الطبيعة اننا نفعل المعصية بسهولة لانها في دمائنا فاننا ورثنا طبيعتها. وبسبب اننا ورثنا طبيعتها فاننا اصبحنا عبيد
يوحنا 8: 34أجابهم يسوع: «الحق الحق أقول لكم: إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية.
وبولس الرسول لم يختلف عن ذلك بل قالها بكل صراحة
رومية 6: 17فشكرا لله أنكم كنتم عبيدا للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها.
– الميراث الذي يجب ان نرثه هو :
يوحنا 8: 35والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد.
اي انك في عبوديتك للخطية لن تظل تحت رحمة الله وعنايته المتمثلة في بيت الله. لكنك ستذهب بعيدا . فانت لست من اهل بيت الله . و المكان الذي سيذهب اليه كل ابناء المعصية وهو الجحيم حيث يستعلن غضب الله على ابناء المعصية
افسس 5: 6لا يغركم أحد بكلام باطل، لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية.
بعد التبني :
– الاب هو من بادر بامر التبني :
يوحنا 1: 12وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه.
يوحنا 1: 13الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله.
– ثمن التبني الذي تم دفعه هو دم ابنه يسوع المسيح
يوحنا 3: 16لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.
– امتيازات الحصول على التبني :
1- تصبح من الاحرار وليس العبيد :
رسالة كورنثوس الاولي 7: 22لأن من دعي في الرب وهو عبد فهو عتيق الرب. كذلك أيضا الحر المدعو هو عبد للمسيح.
يوحنا 8: 36 فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا.
2- تصبح من اهل بيت الله :
يوحنا 8: 35والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد.
اي انك تصبح من عائلة الله. ابن لله لك كل حقوق الابن وواجباته
3- تصير من احباء المسيح
يوحنا 15: 15لا أعود أسميكم عبيدا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي.
اي انك تصير من احباء المسيح والذي تتمتع بان تكون على علاقة قويه به لدرجة انه يخبرك عن الاسرار الالهية
4- الشاهد والضامن للتبني هو روح الله بداخلنا :
رومية 8: 15إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ: «يا أبا الآب!».
كانت العادة الرومانية هي ان يكون هناك سبعة شهود على امر التبني . فعندما تحدث مشكلة بين الورثة بخصوص الابن الذي تم تبنيه . فانه يتقدم احد الشهود السبعة ويحلف ان التبني كان قانونيا وصحيحا وحدث امامه وهذا ينهي الاشكال. هكذا فان الشاهد للتبني ليس انسان يكذب او يخاف وليست عقيدة من صنع بشر بل الشاهد والضامن هو روح الله. وتكرار كلمة (ابا الاب) توحي بان روح الله يدخلنا في علاقة حميمة وقريبة جدا مع الله.
5- قانونيا تنتهي حياة الابن السابقة للتبني . فتسقط مثلا كل الديون التي كانت عليه :
يوحنا 5: 24«الحق الحق أقول لكم: إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة.
اي انه ليس عليه اي دين يمكن ان يدين به .وهذا عين ما قاله بولس الرسول
رومية 8: 1إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.
رومية 8: 2لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت.
وهذا ايضا اكد عليه بطرس الرسول في رسالته الاولى
رسالة بطرس الاولى 1: 18عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء،
رسالة بطرس الاولى 1: 19بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح،
والدينونة التي عليك اذا لم تقبل التبني وظليت من اهل الخطية هي الموت والعذاب الابدي في الجحيم. لكن بعد التبني ليس عليك اي شئ من هذا .
6- لنا حق الميراث مع المسيح في المجد :
رومية 8: 17 فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه.
وهذا ما قاله المسيح شخصيا في وعده لتلاميذه بخصوص ميراثهم الجديد :
يوحنا 14: 2 في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قد قلت لكم. أنا أمضي لأعد لكم مكانا
يوحنا 14: 3وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إلي حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا
7- الخليقة تنتظر استعلان ابناء الله :
روميه 8: 19لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله.
اي ان العتق الاخير للخليقة التي تئن بسبب معاصي الناس هو عندما يتم استعلان مجد المسيح ومعه ابناء الله لكي يعتق كل الخليقة من عبودية ابليس والشر.
لاحظ معي ان الامر اكبر بكثير من مجرد كفالة. لانه في التبني انت ترث اسم العائلة وكذلك لك حق في الميراث والتركة لكن في الكفالة . فان الكفيل لا يعطي الطفل سوى قوت يومه او احتياجه ولا يكون له اب ولا يعطيه اي ميراث. فما اعظم الفارق بين التبني والكفالة. والله يخبرنا ان يرغب في ابناء وليس عبيد. انه يعرض علينا ان يكون اب لنا وليس كفيل لنا.
اخيرا يمكن تلخيص التبني بمعناه الروحي كالاتي :
1- الجنس البشري ساقط وغريب عن عائلة الله. واعداء له ولناموسه ولكل اهتماماته . انهم من اب وهو ابليس
2- من هذا الموقع هم مدعوون لان يأتوا ويدخلوا في عائلة الله. ليدعى اسم الله عليهم . وليشتركوا في عنايته الابوية وتأديبه.
3- والسبيل للدخول في التبني هو مجرد قبولهم لدعوة الله يتم استقبالهم في عائلة الله ويصبحون متمتعين بمحبته الابوية. من هذه اللحظة يدعون ابناء الله . ومن هذه الفترة يسمح لهم الله بان يخاطبوه كأب لهم.
فهل تشتاق الى ترتبط بالله بعلاقة ابويه وتتخلص من كل ديون الخطية والعبودية لها ؟ هل مازلت تنظر الى الله انه يطلب عبيد ؟ انه يدعوك لتكون ابنه ويمنحك كل مميزات الابن . وكل ما عليك فعله هو ان تقبل دعوته. فانت لن تدفع شئ بل كل شئ قد دفعه المسيح على الصليب. الالتزام الوحيد الذي عليك هو ان تشبه صورة المسيح يسوع . وهذا يحدث كلما اقتربت اكثر من الله. انه يرغب في ان يأخذك في حضنه ويشاركك همومك ووحدتك . فهل تقول له ” انا اقبل ابوتك لي وبنوتي لك . وانا ارفض ان اكون عبد للخطية ولابليس ” ؟ انه ينتظرك فهل تقبل دعوته للحرية ؟ لا تحاول ان تبحث عن الحرية بعيدا عنه. لا يخدعك احد بان يخبرك بانه لكي تكون في مكانة قريبة من الله ان تفعل بعض الفروض والطقوس . والصلوات بالحركات قياما وسجودا. فانت رأيت معي ان الشخص الذي يتبني هو من يفعل كل شئ . يدفع كل الثمن وحده ولا يفعل الطفل الذي تم تبنيه اي شئ . بل كل ما عليه فعله هو قبول هذا العرض او رفضه. فان رفضه ظل عبد للخطية والكبرياء البشري واخيرا مصيره الهلاك الابدي. وان قبل هذا العرض فان سيكون من اهل بيت الله ويتمتع بكل مميزات اولاد الله بجانب حريته من عبودية الخطية.
اقبل الان قبل فوات الاوان فانت حي هذه اللحظة لكن اللحظة القادمة لا تعرف ان كنت ستظل حيا ام لا . فانت وحدك الذي تقرر في اي جهة ستسافر بعد موتك : السماء ام الجحيم .
مراجع :
دائرة المعارف الكتابية
الخلاص – تشارلز م. هورن
تفسير العهد الجديد – وليم باركلي- المجلد الثالث
بقلم خادم الرب إميل منصور
نور لجميع الأمم