اليوم سيكون لنا كلمات عن كيف ينبغي أن يحيا هؤلاء الذين يتبعون يسوع المسيح، حياةً تُسِر قلب الله. فالإيمان الذي في قلب تلميذ يسوع، ينبغي أن يظهر في طريقة تفكيره، وطريقة كلامه، وطريقة تصرفاته، وفي أسلوب حياته ككل.
وقبل أن نتأمل في الطريقة التي ينبغي أن يحيا بها تلميذ المسيح، دعونا نراجع معاً ما الذي يجعل من شخصٍ ما تلميذاً حقيقياً للمسيح.
إن تلميذ المسيح، كما رأينا، هو شخص:
أولاً: يقر بأنه خاطئ أمام الله، وأنه ليس لديه أي رجاء في الدخول إلى الفردوس بمجهوداته الذاتية.
ثانياً: يصدِّق الخطة التي أعلنها جميع أنبياء الله؛ وهي الخطة التي يستطيع الله من خلالها أن يغفر خطايا نسل آدم، والتي تنطوي على موت يسوع المسيح على الصليب. لقد أسلم الله الفاديَ، الذي لم يعرف خطية، ليموت من أجل خطايانا، وأقامه من الأموات، لكي يحسبنا أبراراً.
وباختصار، فإن تلميذ يسوع المسيح هو من يؤمن بكل قلبه بالخبر السار عن يسوع المسيَّا، ويعرف بكل تأكيد أن خطاياه قد غُفِرَت، كما وعد الله في كلمته. والله يتبنَّى مثل هذا المؤمن كابنه. وهكذا، مكتوب في الإنجيل: إن من يقبلون يسوع المسيَّا، ويؤمنون باسمه ”أُعطيَ لهم السلطان أن يصيروا أولاد الله .. مولودين لا من مشيئة جسد .. بل من الله.”
(يوحنا 12:1 ،13)
صديقي العزيز، إن الله يريدك أن تعرف أنك إن أصبحت ابناً لله عن طريق الإيمان بالمسيح وذبيحته، فإنك لن تهلك، وأنه سيعطيك الحق أن تحيا في محضره إلى الأبد!
وربما يردُّ البعض على هذا قائلاً: ”إن كان دخول الفردوس بهذه السهولة لتلميذ المسيح، فعندئذ يستطيع أن يحيا كما يحلو له، ويخطئ كما يحلو له، دون أي خوف من دينونة، وذلك لأن الله قد غفر كل خطاياه مسبقاً.”
أصدقائي، .. إن هذه الفكرة مضحكة ومنافية للعقل!
فأولئك الذين يفكِّرون بهذه الطريقة، لا يعرفون معنى الخطية، ولا يعرفون الله القدوس. الخطية شيءٌ سيئٌ جداً. ويسوع المسيح جاء كي يحرِّرنا من سلطان الخطية؛ لا كي يشجعنا على الاستمرار فيها. كل من يؤمن بالمسيح، لا يعود بعد عبداً للخطية. هؤلاء فقط الذين يتبعون الشيطان، هم حقاً الذين يتمتَّعون بالخطية. فالشخص الذي يخلِّصه الله ويغفر له خطاياه، يصبح لديه قلبٌ جديد؛ إذ يغسل الله قلبه ويطهِّره. والشخص الذي يصنع الله له هذا، يتجنَّب كل نجاسة. هذا هو ما يؤكده الكتاب، عندما يقول:
”إذاً، إن كان أحدٌ في المسيح، فهو خليقةٌ جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً.” (2كورنثوس 17:5)
صديقي .. دعني أسألك سؤالاً ..!
إن كنت ترتدي رداءً نظيفاً أبيض، هل تفكِّر في أن تجلس على أريكة قذرة، أو تذهب إلى مكان قذر؟ لا بالطبع، فسوف تتجنب كل ما يمكن أن يُلحق بردائك أي بقعة. هكذا هو الحال مع كل مَن طهَّره الله من خطاياه. فهو لن يرغب في ما بعد أن يستمر في أي أمر لا يُسِر قلب الله. بل سيريد أن يسِرَّه.
إن سامحك شخص في دين كبير كان عليك، فهل تتعمَّد أن تجرح مشاعره أو تغضبه؟ لا. بل سوف تفعل كل ما تستطيع كي ترضيه وتفرِّحه. وبالمثل، إن كان الله قد سامحك في دين خطيتك العظيم، وخلَّصك من العقاب الأبدي، ألا ينبغي أن تشكره وتكرمه في أفكارك وكلامك وأعمالك طوال حياتك؟
فلنسمع ما يقوله الكتاب في ما يخص أولئك الذين للرب يسوع. يقول الكتاب:
”لأننا كنا نحن أيضاً قبلاً أغبياء غير طائعين ضالِّين، مستعبَدين لشهوات ولذَّات مختلفة، عائشين في الخبث والحسد، ممقوتين مُبغِضين بعضنا بعضاً. ولكن حين ظهر لطف مخلِّصنا الله وإحسانه، لا بأعمالٍ في برٍّ عملناها نحن بل بمقتضى رحمته، خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنىً علينا بيسوع المسيح مخلِّصنا، حتى إذا تبررنا بنعمته، نصير ورثةً حسب رجاء الحياة الأبدية.” (تيطس 3:3-7)
”كأولاد الطاعة، لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قدِّيسين في كل سيرة. لأنه مكتوب: كونوا قدِّيسين لأني أنا قدوس!”
(1بطرس 14:1-16)
.. كيف يمكننا إذن، أن نلخِّص أسلوب حياة تلميذ المسيح؟ ربما كالآتي:
الله يريد أولاده أن يُظهِروا سماته وطباعه في سلوكهم هنا على الأرض. وببساطة، يريد الله أولاده أن يكونوا مثله تماماً.
.. فما هي إذن، سمات الله؟
في دراستنا في الكتاب المقدس، رأينا أن اثنين من السمات البارزة في الله هما القداسة والمحبة. فالله قدُّوس. وهو أيضاً إله المحبة. فما هي إذن إرادته من نحو أولئك الذين يتبعونه؟ إنه يريدنا أن نكون قدِّيسين كما أنه قدوس، وأن نحب بعضنا بعضاً كما يحبنا هو.
إن الحياة المقدسة والقلب المحب هما ما يميز الذين يتبعون الله، من الذين لا يتبعونه. وبخصوص هذا تقول كلمة الله:
”بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس ظاهرون: كل من لا يفعل البر، فليس من الله، وكذا من لا يحب أخاه.” (1يوحنا 10:3)
”لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلِّصة لجميع الناس، معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالميه، ونعيش بالتعقُّل والبر والتقوى في العالم الحاضر، منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلِّصنا يسوع المسيح، الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم، ويطهِّر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمالٍ حسنة.” (تيطس 11:2-14)
”لذلك، اطرحوا عنكم الكذب، وتكلَّموا بالصدق كلُّ واحدٍ مع قريبه؛ لأننا بعضَنا أعضاء بعض. اغضبوا ولا تخطئوا: لا تغرب الشمس على غيظكم، ولا تعطوا إبليس مكاناً. لا يسرق السارق في ما بعد، بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيديه، ليكون له أن يعطي من له احتياج. لا تخرج كلمةً رديَّةً من أفواهكم، بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة، كي يعطي نعمةً للسامعين. ولا تُحزِنوا روح الله القدوس الذي به خُتِمتم ليوم الفداء. ليُرفَع من بينكم كل مرارةٍ وسخطٍ وغضبٍ وصياحٍ وتجديفٍ مع كل خبث. وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين، كما سامحكم الله أيضاً في المسيح.” (أفسس 25:4-32)
”فكونوا متمثِّلين بالله كأولاد أحباء. واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضاً، وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحةً لله، رائحةً طيبةً. وأما الزنا وكل نجاسة أو طمع، فلا يُسمَّ بينكم كما يليق بقديسين. ولا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق، بل بالحريّ الشكر. فإنكم تعلمون هذا، أن كلَّ زانٍ أو نجسٍ أو طمَّاعٍ (مثل هذا هو عابد للأوثان) ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله. .. لأنكم كنتم قبلاً ظلمة، وأما الآن فنور في الرب. اسلكوا كأولاد نور!”
(أفسس 1:5-8)
”أيها الأحباء، لنحب بعضنا بعضاً؛ لأن المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد وُلِد من الله، ويعرف الله. .. إن قال أحدٌ: ‘إني أحب الله’، وأبغض أخاه؛ فهو كاذب. لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟ ولنا هذه الوصية منه: أن من يحب الله، ينبغي أن يحب أخاه أيضاً.” (1يوحنا 7:4، 20، 21)
.. هذا هو ما يقوله الكتاب المقدس في ما يخص أسلوب حياة كل من يتبع الرب يسوع المسيح!
.. ولكن، هل يعني هذا أن تلميذ المسيح لا يمكن أن يخطئ، أو أنه دائماً يحب قريبه كنفسه؟
لا؛ فهو مازال يخطئ، ولكنه لم يعُد يبقى في الخطية. وعندما يخطئ، فإنه يستخدم الوعد الذي في كلمة الله، الذي يقول:
”دم يسوع المسيح يطهِّرنا من كل خطية. إن قلنا إنه ليس لنا خطية؛ نُضِل أنفسنا، وليس الحق فينا. وإن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهِّرنا من كل إثم.” (1يوحنا 7:1-9)
.. إن الانتماء ليسوع المسيح، ليس مجرد ديانة، ولكنه علاقة!
فعندما يصبح شخص للمسيح، فإنه يدخل في شركة مع إله المحبة القدوس. هذه العلاقة الحميمة مع الله، والتي فقدها آدم وحواء بسبب خطيتهما، استعدناها بواسطة دم يسوع الذي سفكه على الصليب. فلن يعود الله يذكر تعدِّياتنا؛ لأن يسوع دفع عنَّا دين خطيتنا. فمن خلال علاقتنا مع المسيح، صار الله أبانا السماوي، ونحن صرنا أبناءه. هذا ما يؤكده الكتاب بقوله:
”لأن به (أي بالمسيح) لنا قدوماً في روحٍ واحدٍ إلى الآب. فلستم إذَن بعد غرباء ونزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله.” (أفسس 18:2 ،19)
أولئك الذين للمسيح يستطيعون أن يتمتعوا بعلاقة حميمة مع الله، ويتوقَّعوا ميراثاً أبدياً في السماء. ولكن قد يسأل سائل: ”كيف يمكن لتلميذ المسيح أن يتمتَّع بهذه العلاقة مع الله، هنا على الأرض؟ كيف يمكن أن ننموا في علاقتنا مع الله؟”
في هذا الشأن، تذكر كلمة الله أربع مسئوليات تقع على عاتق تلميذ المسيح، يمكن أن تساعدنا أن نعرف إرادة الله، وأن نحيا حياة تليق مع وضعنا كأولاد له؛ كي ما نرضيه في كل شيء، ونزيد في معرفتنا له.
(1) مسئولية تلميذ المسيح الأولى هي التغذِّي على كلمة الله؛ إذ يتأمَّل فيها يومياً، ويقبلها في قلبه، ويرغب كل الرغبة في طاعتها.
فكلمة الله تكشف لنا إرادته؛ إذ يتكلَّم الله إلينا عن طريق كلمته. وكلمة الله هي الطعام الذي يغذِّي روحنا، ويقوِّيها. إنها طعامٌ عجيب. فمن يحب الله حقاً، لن يحتاج إلى من يحثُّه على قراءة كلمة الله أو الاستماع إليها؛ لأنه هو نفسه سيشعر بالجوع إليها، كما يشعر من نحو طعام الجسد. يقول أيوب النبي:
”ذَخَرتُ في قلبي كلماته (كلمات الله) أكثر من خبز يومي.” (أيوب 12:23)
(2) والمسئولية الثانية هي الصلاة لله أبينا الذي في السموات.
كل من يرغب في النمو في علاقته بالله، سيرغب في التحدُّث إليه كثيراً. فالصلاة بالنسبة لتلميذ المسيح، هي التحدث مع الله، كما يتحدث مع أعز أصدقائه. وليس هناك وقتٌ معين، يتعيَّن فيه أن نصلي. فيمكننا أن نتحدث لأبينا السماوي في أيِّ وقت، ليلاً أو نهاراً. فلا ينبغي حتى أن تمرَّ علينا لحظة، لا تكون فيها اذهاننا غير مشغولة بالله. فهو يريدنا أن نسبِّحه ونشكره دوماً على طبيعته وشخصه، وعلى كل ما صنعه من أجلنا. وهو أيضاً يدعونا أن نتحدَّث معه عن كل ما يقلقنا. إن تلميذ المسيح يعرف أن الصلاة قويَّة. إذ أن الرب يسوع نفسه وعد تلاميذه قائلاً:
”إن سألتم شيئاً باسمي، فإني أفعله.” (يوحنا 14:14)
”إن سألتم شيئاً باسمي، فإني أفعله.” (يوحنا 14:14)
”لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طلباتكم لدى الله أبيكم.” (فيلبي 6:4)
(3) أما المسئولية الثالثة فهي الحفاظ على الشركة مع الذين يؤمنون بالرب يسوع المسيح، ويحبُّونه.
فكما أن قطعة الفحم تظل متوهِّجة لفترة أطول عندما تُترَك في النار مع غيرها من القطع، كذلك تساعدنا شركتنا مع المؤمنين الآخرين أن نحيا للمسيح، وأن نشجِّع الآخرين على نفس الشيء. تقول كلمة الله:
”ولنلاحظ بعضَنا بعضاً، للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة. غير تاركين اجتماعنا ـ كما لقومٍ عادة ـ بل واعظين بعضنا بعضاً، وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرُب.’ (عبرانيين 24:10 ،25)
(4) أما مسئولية تلاميذ المسيح الرابعة فهي: أن يكونوا شهوداً له.
استمعوا معي لما قاله الرب يسوع لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء:
”هكذا هو مكتوبٌ، وهكذا كان ينبغي: أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يُكرَز بالتوبة ومغفرة الخطايا باسمه لجميع الأمم .. وأنتم شهود لذلك.”
(لوقا 46:24-48)
نعم، فعلى تلاميذ المسيح أن يخبِّروا الآخرين عن مخلِّصهم، موضِّحين لهم الخبر السار عن الرب يسوع المسيح، الذي مات كي يهب كل من يؤمن به علاقة رائعة مع الله للأبد. طبعاً، إن شهادتنا ينبغي ألا تنحصر في مجرد كلمات، بل تكون مصحوبةً بحياةٍ من القداسة والمحبة. إن التغيير الذي أحدثه المسيح في حياتنا، هو الذي سيقوِّي الرسالة ويؤكِّدها. إذ يقول الكتاب:
”لأن ملكوت الله ليس بكلامٍ، بل بقوةٍ.” (1كورنثوس 20:4)
وأنت يا من تقرأ هذا اليوم ..
.. هل كان هناك يومٌ في حياتك، تقابلتَ فيه مع المخلِّص، يسوع المسيح؟
.. يومٌ .. غَفَر فيه خطاياك، وجدَّد قلبك؟
.. هل تمتلئ حياتك بقداسة الله وحبه؟
.. هل أنت تلميذٌ حقيقيٌّ للرب يسوع؟
الكرمة