إبليس رجل أعمال مشغول كل الوقت.. صاحب خبرة ضخمة وله عقل متقد الذكاء ولكن قلبه مظلم ، دائم التجول في الأرض ليتابع أعماله .. جنوده مدربون جيداً على إتمام مهامهم .. لن تجده مرة واحدة يصنع خيراً حقيقياً لأحد ، فهو يسير حاملاً في يده سلاسل كثيرة ، هدفه أن يقيد بها النفوس ..
لكن لنفرح .. لنفرح لأن الرب يسوع أتى إلى عالمنا ليحمينا من هذه السلاسل ، وليدعو كل من قُيِّدَ بها إلى الحرية .. كلمات الكتاب قاطعة ” إنما دُعيتم للحرية ” (غلا 5: 13) ..
الرب يسوع مُحرر قدير يُحرر كل نفس تتمسك به من كل قيودها .. نعم يُحررها تماماً ، وسريعاً ما يأتي الوقت الذي تنطلق فيه بالتسبيح منشدة له بفرح حقيقي من القلب ، هاتفة بقوة بكلمات المزمور التي تقول :
” حللت قيودي
فَلَكَ أذبح ذبيحة الحمد ” (مز 116: 16، 17)
الرب يسوع يُحرر من كل القيود ..
الرب يسوع يُحرر من قيود الجنس والعاطفة والمخدرات والخمر والسجائر ..
الرب يسوع يُحرر من قيود الخوف والاكتئاب واليأس وصغر النفس ..
الرب يسوع يُحرر من القيود المتعلقة بالعمل والدراسة والمرض ..
الرب يسوع يُحرر من كل قيود آتية بسبب الخطية أو الحسد أو السحر ..
الرب يسوع يُحرر المنازل والأُسر من القيود المتوارثة والقيود المستحدثة ..
الرب يُحرر من كل القيود .. الرب يعطي حرية حقيقية ، هو يقول صادقاً
” إن حرَّركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحراراً ” (يو 8: 36) ..
اسمح للرب أن يُحررك ، وقد تسألني كيف ؟ كالعادة الوحي المقدس هو الذي يجيب ، وقصة تحرير كنعان التي يسردها لنا في سفر يشوع هي قصة ممتعة وغنية بالدروس الثمينة التي تُقدم لكل منا مفاتيح الحرية التي لا تُقَدّر بثمن ..
كانت المدن محتلة ، لكن يشوع لم يتركها هكذا .. ذهب إليها ومعه شعبه ، وأدار معها معارك عظيمة ومتعددة .. وكان الهدف واضحاً أن تتحرر كنعان ، أن تصير للرب بالكامل ..
أيها القاريء ، كنعان هي أنت ومدنها هي رموز لجوانب حياتك المختلفة .. فهل تحررت كل مدنك ؟ هل صارت كل أُمورك حرة ولم يعد للأرواح الشريرة سلطان عليها ؟ .. أيها الحبيب ، لا تكابر .. إذا كنت مقيداً في أي جانب من جوانب حياتك ، فإن قصة تحرير كنعان قد كُتبت خصيصاً لك ..
ربي يسوع ،
ما أبعد الفرق بين قراءة عادية وقراءة تلمس القلب ..
ما أبعد الفرق بين قراءة لمجرد المعرفة
وقراءة أشعر فيها بحضورك المشجع ،
الشافي والمحرر ..
سيدي ،
أعرف يقيناً أنك تحبني برغم كل
أخطائي ..
فاسمح ليّ أن أطلب أن تكون قراءاتي الآن
من النوع الثاني ..
أعرف أن هذه أيضاً إرادتك ..
كم أشكرك !! أشكرك من كل قلبي ..
إن قصة تحرير كنعان تُقدم لنا خمسة مفاتيح هامة للحرية :
-
اظهر المختبيء
-
احتقر العدو
-
احسب نفسك ميتاً
-
اهجــم
-
ثابـــر
نُحدثّك في هذا الفصل عن ثلاثة منها تاركين المفتاحين الأخيرين للفصل التالي ..
المفتـاح الأول
* اظهر المختبيء
من يقدر أن يُقلل من دور المخابرات في حسم المعارك ، ومن يقدر أن ينتقص من الأهمية الكبرى التي لها في تحديد نتائج القتال .. أجهزة المخابرات هي التي تُحدد للقادة أماكن المواجهة الحاسمة مع العدو .. هكذا أيضاً الأمر في الحرب الروحية ، وقد شرح لنا الكتاب المقدس أهمية هذه النقطة في سرده لمعارك كنعان ..
فقبل أن يبدأ القتال أمر الله موسى بأن يرسل اثنى عشر جاسوساً .. ثم عاد يشوع بن نون وأرسل جاسوسين آخرين مباشرة قبل بدء المعارك ، فالحصول على معلومات سليمة عن أماكن تجمع العدو ومراكزه القوية ومستوى قوة جنوده هو دائماً الخطوة الأولى في معارك القتال لأجل الحرية ..
نعم ، كل منا يحتاج أن يتجسس كنعانه ليعرف أي مساحات بها لا تزال مُقيدة ولا تخضع لقيادة الرب ..
-
فما هى المجالات التي لا يزال العدو يسيطر عليها حتى الآن ؟
-
وهل هناك قيود من أرواح الخوف .. الكذب .. النجاسة .. صغر النفس .. الهوى .. الخ ؟
إبليس لا يريدك أن تقوم بهذه الخطوة ، لأنه يريد أن يظل وجوده غير معروف .. لا تسمح له بهذا ..
لكننا لن نقدر أن نعرف حقيقة ما بداخلنا بإمكانياتنا الطبيعية ، ولو حاولنا أن نفحص أنفسنا بأنفسنا فإننا غالباً ما نُخدع ونركز على أُمور ليست هي القيود الأشد خطورة .. إبليس أمهر منا وإمكانياته في التضليل غير عادية ، إلى جانب أنه كثيراً ما يستخدم فحصنا لأنفسنا بأنفسنا في إصابتنا بالإنزعاج وإضعاف روحنا المعنوية في القتال ، وربما يصل بنا إلى اليأس ..
لا ، لا تفحص نفسك بنفسك لئلا تقع بقدميك في فخ جديد لإبليس ..
لا تفحص نفسك بنفسك ، بل أترك الرب هو الذي يفحصك ليُظهر لك حقيقة ما بداخلك ..
تأمل معي ما يقوله الرسول بولس ” لست أحكم في نفسي .. لكن الذي يحكم فيّّ هو الرب ” (1كو 4: 3، 4)
لا تكن طبيباً لنفسك ، أترك يدي الطبيب الحقيقي تمتدان لتكشفا أسقامك ..
استسلم له ، اتركه يعلن عن قيودك دون أي تضليل .. ” ما أطيب الرب ” (مز 34: 8) هو يعمل بروحه الوديع الذي كله حب ، فحين يظهر قيودك في نوره فلن يسمح للإحباط أن يصل إلى قلبك .. بل سيملأك بيقين أنك محبوب جداً جداً، وسيزيدك طمأنينة بأنك قد وضعت قدميك على طريق الحرية الغالية ..
وقد تسألني كيف أستسلم للرب ؟ وكيف أرى قيودي بنوره الفاحص ؟
كيـــف ؟
-
قد أرى قيودي وأنا أستمع إلى عظة ممسوحة بالروح القدس .. يشهد الوحي بأن هناك قوة للإجتماع الروحي الذي يُهيمن عليه روح الله .. يشهد أن له قوة في التبكيت على الخطايا وكشف القيود المختبئة .. قوة توبخ الشخص المقيد .. ” تصير خفايا قلبه ظاهرة ” (1كو 14: 25) ..
-
وقد تنكشف القيود للشخص أثناء خلوته اليومية .. يقرأ كلمة الله الحية والفعالة فتُميز الكلمة أفكار قلبه (عب 4: 12) .. وتُشير بوضوح إلى قيوده الداخلية ..
-
أما المعتاد فهو أن تظهر القيود في الجلسات الروحية مع المرشد الروحي حينما يُهيمن الروح القدس على الحوار ..
جلسات الإرشاد هي جلسات حاسمة في التحرر من القيود ، ولا سيما إن كان المرشد الروحي قد أعطاه الروح القدس من مواهبه الموهبة التي يسميها الرسول بولس ” كلام عِلم ” (1كو 12: 8) ، والتي يقدر بها أن يعرف بإعلان داخلي من الروح القيود المختبئة في المعترفين . إلى جانب موهبة ” تمييز الأرواح ” (1كو 12: 10) التي تعطيه إمكانية أن يعرف أنواع الأرواح الشريرة المسئولة عن القيود الرئيسية والأكثر أهمية في حياة المعترفين ..
أُنظر إلى لقاء الرب يسوع مع الشاب الغني ، لم يُحدثّه الرب عن كسره لأي من الوصايا العشر.. لماذا ؟ .. لأن القيد الرئيسي في حياته كان متعلقاً بأمر آخر .. بمحبة المال ، لذا حدثه الرب عنه بينما في لقائه مع السامرية تحدث معها عن قيد آخر .. ليس لأنها لم تكن تعاني من محبة المال بل لأن الرب كان يميز بين الأرواح وكان يعرف أن ” روح الزنى ” هو المسئول عن أهم قيودها ..
أحياناً مثلاً قد يكون الشاب مقيداً بخطية جنسية يجاهد ضدها ولا ينجح ، والسبب أن القيد الجنسي ليس هو قيده الرئيسي بل هو قيد تابع لن ينكسر إلا بعد أن ينكسر أولاً القيد الرئيسي والذي قد يكون مثلاً قيد صغر النفس أو الشعور بالرفض من الآخرين أو الحزن الرديء أو التعالي ..
لذا كم كان الأنبا أنطونيوس مُحقاً حين أوصى أولاده أن يُصلوا من أجل اقتناء هذه الموهبة ، لقد قال لهم :
” نحتاج إلى كثير من الصلاة والتلمذة حتى يعطينا الروح القدس موهبة تمييز الأرواح لكي ندرك أي روح أقل شراً وأي روح أكثر شراً ونعرف كيف يُمكن التغلب على كل منها وطردها ” ..
صديقي ، تحتاج قبل كل جلسة روحية مع المرشد الروحي أن تركع في مخدعك وتطلب من روح الله أن يهيمن على الجلسة بالكامل ليكشف كل القيود وليُحررك منها ..
ربي يسوع ،
لا تسمح أن تتحول جلسة الإرشاد إلى
انشغال بذاتي وقيودها ..
بل إلى انشغال بك وبيدك التي تُحطم القيود ..
ولا تسمح أن تكون جلسة خوف وهلع ،
بل تمتع بحضورك المطمئن ولمساتك المحررة ..
+ + +
في خطوة واحدة أو خطوات
حين يُظهر الروح القدس قيودنا الحقيقية فإننا نكون قد خطونا أهم خطوة في الطريق لنوال الحرية الكاملة .. بل إنه في كثير من الأوقات قد تُحل القيود بمجرد ظهورها في نور الروح ، فينال الإنسان الحرية في خطوة واحدة .. لكن ليس شرطاً أن يحدث هذا فالحياة الروحية ليست منهجاً محدد الخطوات ، كل خطوة تقود إلى الأخرى بل هي بالأكثر حياة تتنوع فيها طرق الله من شخص إلى آخر، أحياناً يقفز بنا وأحياناً أُخرى يُحررنا تدريجياً ، بحسب ما ترى حكمته الفائقة ما هو الأنسب
لكل منا ..
قصــة واقعيــة
وهذه قصة واقعية لشخص نال حريته في خطوة واحدة بمجرد أن أُعلن في نور الروح القدس القيد الذي كان مُقيداً به .. والقصة من القرن الرابع ، وقد سجلها لنا الأب الشهير يوحنا كاسيان تماماً كما نطق بها صاحبها الأب سيرابيون ..
يقول : ” إذ كنت لا أزال ملازماً للأب ثيؤناس ، هاجمني العدو فسيطرت عليَّ عادة شريرة وهي أنه بعد أن كنا نتناول معاً الطعام في الساعة التاسعة (الثالثة ظهراً) من كل يوم ، كنت أخبيء قطعة من البسكويت (الخبز) بين طيات ملابسي لأعود وآكلها في الخفاء بدون علمه ..
وبالرغم من إحساسي المستمر بالذنب ورغبتي في أن أردع هذه الشهوة– حتى إنني كن آتي إلى نفسي وأُعنفها بقسوة كانت تُفقدنى متعة الأكل– إلا إنني صرت مستعبداً .. ومع أن حزناً كان يملأ قلبي إلا إنني كنت أقوم بهذا العمل المضني كما لو كنت [ مثل شعب الله قديماً ] مأموراً من فرعون أن أصنع الطوب ، عاجزاً عن الهروب من عبوديته القاسية ..
لقد كنت أخجل من أن أُحَدِّث الأب ثيؤناس عن هذه السرقة ، لكن الله سمح ليّّ أن أتحرر من هذا الأسر الإختياري عندما أتى بعض الإخوة ليجلسوا مع الأب ثيؤناس ليسترشدوا به ..
وبدأ النقاش عقب العشاء ، وفي إجابة لأحد الأسئلة تكلم الأب عن خطية النهم وسيطرة الأفكار الخفية وأظهر طبيعتها وتأثيرها البشع كلما ظلت مختفية في السر ..
اهتز كل كياني من قوة الحديث .. تألم ضميري .. وارتجفت وأحسست أن الله قد أعلن للأب كل أفكار قلبي الخفية [ الأب له موهبة كلام علم ] لذا تكلم عن هذا الأمر بالذات ..
وحين بدأ الأب الحديث في هذا الموضوع لم يشعر أحد بالتنهد الذي بدأت أحس به في داخلي، ولكن بعد ذلك ازدادت نبضات قلبي ولم أتمالك نفسي فانفجرت في البكاء .. وأخرجت من جلبابي قطعة البسكويت ووضعتها في الوسط .. أما أنا فسقطت على الأرض طالباً الصفح ، معترفاً كيف اعتدت أن آكل كل يوم في الخفاء ، وبدموع ساخنة توسلت إليهم أن يطلبوا من الرب أن يُحررني من هذه العبودية القاتلة ..
قال الأب ثيؤناس ليّ ( ليكن لك إيمان با بني .. لن أقول لك كلمات . كفى أنك اعترفت ، هذا حررك .. اليوم انتصرت على عدوك القوي ، لقد سحقته باعترافك .. لقد فضحت الروح الشرير ولن يقدر مرة أُخرى على مهاجمتك ، ولن تجد الحية الملتوية مكاناً في داخلك ) ..
ولم يُكمل الأب حديثه حتى بزغ نور قوي من ثنايا ملابسي وملأ الحجرة برائحة قوية حتى غننا واصلنا الجلوس بصعوبة ..
لقد تحطمت سيطرة إبليس بقوة الإعتراف وستظل محطمة إلى الأبد ولن تقدر مرة أخرى أن تضغط عليَّ لكي أُستعبد لهذه الرغبة ” ..
أيها القاريء الحبيب ، أُترك روح الله الوديع يكشف في النور كل قيودك المختبئة .. إعترف بالخطايا التي فعلتها قديماً وسَمَحَت لإبليس أن يُقيدك ، وإذا كانت خطية لجوء إلى دوائر الأرواح الشريرة كاللجوء إلى السحرة فأعلن بقوة رفضك الشديد لها وتَخلّص من كل ما له علاقة بها (أحجبة ، كتب سحر .. الخ ) لا تخف ، لا تنزعج ، الرب يسوع يريد أن يحررك منها تماماً ..
* * *
المفتــاح الثـانـى
* احتقـر العـدو
من أخطر الأمور التي تعوق تمتعنا بالحرية وتخلُّصنا من قيودنا المُرة ، إنزعاجنا وانهيار معنوياتنا عندما نكتشف حقيقة حالتنا ..
ذهب شخص إلى لقاء روحي لمدة أُسبوع .. بعد بضعة أيام شَعَرَ كما لو كان هناك شيء يضغط على صدره ، وفي وقت النوم ضايقته أحلام مزعجة .. أحس بالضيق في داخله ، وهاجمه شعور بردائته .. شعور لم يحس به من قبل ، وألحّ عليه فكر أن يترك اللقاء فوراً إما هروباً من صعوبة مواجهة واقعة أو بإلحاح من الأرواح الشريرة التي أزعجها عمل الروح القدس ..
ماذا حدث له؟
عندما يكون البئر جافاً خالياً من المياه فإن الكثير من أوراق الشجر الجافة تسقط في أعماقه .. لكن ماذا يحدث عندما تتدفق فيه المياه ويمتليء بها ؟ .. ترتفع الأوراق عائمة على سطح الماء ..
هذا تماماً ما حدث مع هذا الشخص ، فعندما بدأ الروح القدس يعمل في داخله ، طرد عيوبه إلى الخارج فانكشفت قيوده بما فيها المختبيء في اللا شعور كما افتضح وجود الأرواح الشريرة المتسلطة ، فهاجت فشَعَرَ بوجودها ..
صديقي ، لا تستسلم للإنزعاج إذا حدث لك مثل هذا في أي وقت ، فلابد من احتمال آلام المشرط الحاد قليلاً قبل أن ينتهي الطبيب من إزالته للأورام المختبئة ..
قاوم الإنزعاج بالتفاتك إلى الرب يسوع ، وثقتك في حبه .. ثق أنه قد بدأ معك عمله المحرر.. ثق أنك في الطريق إلى الراحة الكاملة ..
عندما ذهب الجواسيس الذين أرسلهم موسى إلى أرض كنعان ، عاد بعضهم منزعجاً جداً بسبب اكتشافهم لقوة العدو .. لقد وضع إبليس الخوف منه في قلوبهم حتى يعدلوا عن الحرب ويتراجعوا عن هدف تحرير الأرض ..
يا للأسف ، كثيرون يصابون مثلهم بالإحباط حينما يدركون قوة العدو وحقيقة سيطرته على مجال أو أكثر فى حياتهم .. كم من أنات يأس تُسمع منهم ..
-
هل يمكن أن أتحرر بعد هذه السنوات الطويلة ؟
-
هل سينتهي سقوطي المتكرر في خطيتي الجنسية التي بدأت منذ أن كنت طالباً في المرحلة الإعدادية ؟
-
آه ، لا أُصدق أنه سيأتي يوم لا أُدخن فيه ..
-
حاولت كثيراً أن أتحرر من هذا الميل العاطفي الذي يهدد علاقتي بزوجتي وأولادي ، ولكن
لا جدوى ..
أيهــا القــاريء
لا تترك العدو يُضعف معنوياتك هكذا .. أُنظر ماذا فعل كل من كالب ويشوع ، كانا أيضاً من ضمن هؤلاء الجواسيس الذين أرسلهم موسى ليروا كنعان ، لكن كان لهما موقف مختلف .. لم ينزعجا مثل الباقين ، لم يستسلما لأرواح الخوف التي أرسلها إبليس ، لم يتراجعا عن هدف تحرير كنعان .. وثقا في وعد إلههما الأمين ، لذا التفتا بكل ثقة إلى موسى والشعب وقالا : ” نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها ” (عد 13: 30) ..
التفت أيها الحبيب إلى إبليس الذى يٌُقيّدك وقُل له ” إنني قادر عليك ” .. لا تدعه يُضعف معنوياتك ..
حين أراد سنحاريب ملك أشور أن يستولى على مدينة أورشيلم ، لم يكتف بأن يرسل جيشه ليحاصرها بل كلّف أحد قواده أن يذهب إليها ويتحدث مع رجالها .. يتحدث إليهم بلغتهم ، بكلمات تزيد من إحساسهم بالضعف وبعدم قدرتهم على مقاومة الحصار ..
هذا ما يفعله الشيطان بإستمرار ، يحاول جاهداً أن يُضعف معنوياتنا مركزاً على نقاط الضعف التي بنا لكي نُصاب بالإحباط وإن أمكن باليأس .. لكن أُنظر معي كيف تدخل الله ، لقد أرسل إلى سنحاريب كلمات تسخر منه .. كلمات علّمت الشعب وتعلمني أنا أيضاً كيف أتحدى العدو وأسخر منه حتى ولو كنت لا أزال منهزماً منه في نقطة معينة ..
قال الله لسنحاريب..
” احتقرتك استهزأت بك العذراء ابنة صهيون [ أيّ نفس ضعيفة تضع ثقتها في الرب ] .. من عيَّرت وجدَّفت وعلى من علَّيت صوتاً .. أضع خزامتي في أنفك وشكيمتي في شفتيك وأرُدك في الطريق الذي جئت فيه ” (إش 37: 22 ، 23 ، 29) ..
آه ، هل تعلّمنا مع رجال أورشليم هذا الدرس الثمين ؟ .. هل تعلّمنا أن نحتقر العدو حتى ولو كانت جيوشه تحيط بنا ، حتى ولو كنا لا نزال في قيودنا ؟ ..
نحتقره لأن ليس له أي حق في أن يظل مقيِداً لنا .. نحتقره لأن الرب يسوع حبيبنا قد أتى لكي يحل قيودنا ، كل قيودنا ..
تأمل الخبر السار الذي يعلنه الوحي .. تأمله وثق في صدقه ، الخبر يقول ” لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس ” (1يو 3: 8) ..
ضع خطاً تحت كلمة ” ينقض ” ، إنها ترجمة للكلمة اليونانية “lyo” والتي تعني أيضاً يحل to losse .. لقد أتى الرب يسوع لكي يحل قيودنا .. نعم ، ليحل كل قيودنا ..
احتقر العدو .. اسخر منه ، حتى ولو كنت لم تتمتع بعد بالحرية الكاملة .. فمادمت ” في المسيح ” ، فأنت سائر في طريق الحرية ولن يقدر أحد أن يحرمك من امتلاكها كاملة ..
لا تنزعج قط إذا علمت أن إبليس يسيطر على أي جانب من جوانب حياتك .. كتب الأب يوحنا سابا (القرن السابع) إلى أخ كان يسيطر عليه روح تجديف كان يجعله يُجدّف في كل مناسبة حتى إذا صلى أو رتل أو قرأ أو سبّح أو تناول .. كتب يقول له :
” يا أخي لا تضطرب ولا تُعذّب نفسك فهذه الشكوك ليست من نفسك ولكنها من الشيطان المتكلم فيك .. وحتى إن اختلطت التسابيح في نفسك مع تجاديف الشيطان فسيُميز الله بين هذه وتلك ” ..
ونجب أن نضيف إلى هذه الكلمات المطمئنة الموجهة للنفس المقيدة بروح التجديف تحذيراً بعدم تصديق إبليس إذا صوّر لهذه النفس أن هذه الأفكار هي نوع من التجديف على الروح القدس الذي قال عنه الرب ” أما التجديف على الروح القدس فلن يُغفر للناس ” (مت 12: 31) .. فالرب يسوع لم يكن يشير مطلقاً بهذه الآية إلى مثل هذه الأفكار التي تحارب بعض الأذهان .. لقد شرح لنا القديس أثناسيوس الرسولي ( القرن الرابع ) هذه الآية معتمداً في تفسيره لها على ظروف النطق بها ..
باختصار يرى القديس أن المقصود بتجديف شخص على الروح القدس هو مقاومته العلنية للرب يسوع بكلمات تجديف ضد قوة الروح القدس (القول أنه شيطان) التي كان الرب يخدم بها برغم إدراك الشخص للاهوت الرب ورؤيته لمعجزات واضحة خارقة للروح القدس ” ..
الرب يدين بهذه الآية الذين قاوموه عن معرفة وإدراك للاهوته ولقوته المعلنة في المعجزات التي رأوها بعيونهم .. هؤلاء لا تنطبق عليهم كلماته ” اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ” (لو 23: 34) ..
+ + +
أيهـا الحبيـب
لقد هُزِمَ إبليس فوق الجلجثة ، لكن مع هذا فهو لا يريد أن يُسَلّم بهذه الحقيقة ..
آه ، كم نحتاج جداً للإيمان الثمين الذي يثق في النصرة التي لنا بسبب الصليب .. الإيمان الذي يعلن لإبليس أنه بلا قوة .. الإيمان الذي يعطي لكل منا الجرأة أن نلتفت إلى قوات الظلمة ونقول لها :
أنتِ ضعيفة للغاية ..
ليس لكِ سلطان أن تظلي مسيطرة عليّ ..
لقد ألغى الصليب كل حقوقك ..
أنت بلا قوة أمامي ..
أنا قوي في المسيح الذي فداني ..
بإسمه أُعلن أنكِ مقيدة ..
ليس لكِ أي حق أن تسودي على أي مجال
من حياتي ..
بإسم الرب المنتصر أطردكِ بعيداً ..
لقد اعتادت المؤمنون منذ القديم أن يسبحوا الله بمزمور 149 ..
تأمل معي بعض آياته الذهبية ..
” هللويا .. غنوا للرب ترنيمة جديدة
ليفرح إسرائيل بخالقه .
ليبتهج بنو صهيون بملكهم
ليُسبحّوا اسمه برقص . بدُفّ وعود
ليرنموا له ..
تنويهات [ جمع تنويه التي تعني تعظيم كثير
high praises ]
الله في أفواههم
وسيف ذو حدين في يدهم ..
لأسْرِ ملوكهم بقيود وشرفائهم بكُبُول من
حديد ” (مز 149: 1-3 ، 6، 8) ..
آه ، هل نقدر أن نُسبح الله بكلمات هذا المزمور؟ .. هل نثق أن الأرواح الشريرة لن تستمر مُقيدة لنا بل نحن الذين سنقيدها ” بقيود وكُبُول من حديد ” ؟..
أيها القاريء ..
إن كنت تشعر أنك لازلت مُقيداً إلى الآن ، فأنت تحتاج للإيمان ، فلا شيء يقف أمام الإيمان” كل شيء مستطاع للمؤمن ” (مر 9: 23) ..
وإن لم يكن لك هذا الإيمان فلا تنزعج ، فالإيمان ليس لفئة خاصة .. الإيمان يأتي من التأمل المستمر في وعود الله .. إقرأ الآيات التي تتحدث عن النصرة ، وتحدث مع الرب يسوع معترفاً بأنك تشك فيها .. اعترف أمامه بضعفك ، أُطلب منه أن يعطيك الإيمان .. قُل له ” أعن عدم إيماني ” .. هو يسوع ” رئيس [ مصدر ] الإيمان ومكمله ” (عب 12: 2) .. سيهبه لك ، وستتحول الآيات إلى واقع عملي تحياه ..
المفتــاح الثـالـث
* أحسب نفسك ميتاً
قبل أن يبدأ شعب الله معاركه لتحرير كنعان تجَمّع في مكان يُدعى ” الجلجال ” ..
” الجلجال ” مكان هام لابد أن يعبر عليه كل من يريد أن يتحرر من سيطرة الأرواح الشريرة..
وماذا يحدث في ” الجلجال ” ؟
في هذه البقعة أمَرَ الله يشوع أن يستخدم السكاكين لختان الشعب .. لابد أن يختتنوا قبل أن يبدأوا معارك الحرية ..
وما هو الختان ؟
هو قطع جزء من الجسم .. نزعه من الحياة .. إماتته .. الجلجال هو مكان الموت ..
وكان كلام الله ليشوع القائد محدداً .. أنت بنفسك الذي تختن الشعب وليس أحداً آخراً .. لماذا؟
الختان يشير إلى المعمودية في العهد الجديد .. وفي المعمودية يأتي الرب يسوع ” يشوع الحقيقي ” بنفسه إلينا و يعطينا اختبار الموت عن العتيق .. ” به [ بالمسيح ] أيضاً خُتنتم ختاناً غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية ” (كو 2: 11) ..
صديقي ، إن أردت أن تتحرر من قيود جنسية أو عاطفية أو أية قيود من إبليس ، تعال أولاً إلى الجلجال .. ثق فيما جرى لك يوم اعتمدت ، ثق أنك حين نزلت أسفل المياه مُتَّ مع المسيح عن حياة الإثم وعندما خرجت من المياه خرجت للحياة الجديدة المنتصرة ..
أقرأ معي هذه الآية العظيمة ..
” إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته. عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليُبطَلَ جسد الخطية [ يُبطَلَ (Katargithi) أى يُعطَّل عن العمل، يُشَّل، وقد استُعملت الكلمة بهذا المعنى في (لو 13: 7) ] كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية ” (رو6: 5، 6)..
هل تثق أن إنسانك العتيق قد صُلِبَ ؟
هل تثق أن جسد الخطية فد تَعَطَّلَ عن العمل ولهذا لن تقدر الخطية أن تُسيطر عليك ؟
صديقي ، إن ما تعلنه هذه الآية هو مثل كل امتياز يقدمه لنا المسيح ، لا يمكن أن ننتفع منه إلا إذا صدّقنا أنه لنا .. هكذا لن نرى إنساننا العتيق مصلوباً وجسد الخطية مُعطلاً إلا إذا آمنا إيماناً قلبياً بما حدث لنا ..
آه ، فبدون أن تصل كلمات الآية السابقة إلى قلبك لن تختبر الحرية .. يقول لنا الرسول بولس ” احسبوا أنفسكم [ بسبب الصليب والمعمودية ] أمواتاً عن الخطية ” (رو 6: 11) ..
لن تتمتع بحرية كنعان ما لم تمر أولاً على الجلجال مكان اعتبار الذات ميتة
هيا اجلس بمفردك مع يشوع الحقيقي .. مع الرب يسوع ، وقُل له :
سيدي ،
أقبل أن ذاتي قد صُلِبَت معك ..
أحسب نفسي ميتاً ..
لأنني واثق أنني عندما اعتمدت ،
صُلِّب إنساني العتيق معك كي لا أُستعبد
للخطية ..
سيدي ،
زد ثقتي أنني ميت عن العالم الشرير ..
أيها الحبيب ، امتليء بالإيمان بأنك مُتَّ عن العالم ، وواجه بهذا الإيمان كل الخطايا التي اعتدت أن تفعلها من قبل ففتحت الباب للأرواح الشريرة لكي تُقيدك .. التفت بثقة إلى هذه الأرواح وقُل لها :
إن إنساني العتيق قد صُلِبَ مع ربي ..
نعم مجال عملك قد أُغلق ..
أرض سيطرتك قد تلاشت ..
ليس لكِ مكان فيَّّ ..
أنا أحيا الآن في قوة قيامة سيدي ..
إنني أرفضك .. أرفضك ..
واجه هكذا الأرواح الشريرة حين تميل بك إلى الخطية .. وسيُحوّل روح الله ما تقوله إلى حقيقة معاشة ..
يقول الرسول بولس شاهداً ” ناموس [ قوة قانون ] روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت ” (رو 8: 2) ..
أُطلب أن يسود الروح القدس في حياتك .. أن يملأ كيانك ، فهو الذي يجعل صلب الإنسان العتيق حقيقة دائمة ..
قيـود مـن الآبـــاء
أما إن كانت القيود التي أتت عليك سببها الرئيسي خطايا آبائك وأجدادك [ مثل دخولهم في دوائر الأرواح الشريرة عن طريق السحر أو خلافه ] ، فأعلن أنك تتنكر لهذه الخطايا لأنك في المسيح ..
أفعل كما فعل الملوك حزقيا ويوشيا (2أى 29: 10 ؛ 34 : 21) والأنبياء دانيال ونحميا (دا9: 16 ، نح 9 : 24) ، واعترف بأخطاء آبائك وأعلن أنك مُتَّ مع الرب عنها .. وإذا كانت هناك أُمور متعلقة بها في بيتك [ مثل كتب السحر ، صور لآلهة وثنية ، أشياء للوقاية من الحسد
أو للتفاؤل (حدوة حصان ، عيون .. الخ) ، تخلّص منها مهما كان ثمنها ..
تعال إلى الجلجثة وأنظر إلى الصليب واقبل دينونة الله المعلنة هناك على هذه الخطايا ، واقبل بقلبك حقيقة أن الرب يسوع قد عوقب عليها بدلاً منك .. عوقب بدلاً منك ، ولذا فليس لإبليس أي حق في أن يستعبدك بسببها ..
+ + +
أيها الحبيب ..
الرب يسوع أتى لكي ” يطلق الأسرى ” (مز 146: 7) ..
الرب يسوع يريد أن يُحطم كل قيودك بلا استثناء ..
هيا إليه لنتمتع بملء الحرية ..
-
هيا ليكشف كل قيودنا المختبئة ..
-
هيا لنحتقر كل أعدائنا ..
-
هيا لنحسب أنفسنا مصلوبين معه ، أمواتاً عن الخطية ..
-
هيا نضع أيادينا الضعيفة في يديه القويتين ، وسيمتعنا بالحرية ..
آه يا مسيحي القائم من الموت ،
الساحق مملكة الظلام ..
آه يا عريس نفسي ، يا من بآثار جراحاتك
المنتصرة تعلن لنفسي المقيدة والجريحة
البُشرى بحريتها وشفائها ..
أشكرك ، أشكرك من كل قلبي ..
فلقد مُتَّ وقمت لتنتزع من عدوي حقه
في استعبادي ..
ولم يعد له أن يقيدني ..
سيدي الحبيب ..
أنظر الآن إلى قيودي ..
أنظر إلى كل ما يعوق استخدامك ليّ
ويُعطّل سيري معك وتمتعي بك ..
اُنظر إلى كل قيودي ..
تعال بقوة قيامتك
تعال واسكب نار روحك في قلبي ،
فتحرق قيودي وتُطَهّر أعماقي ..
تعال إلى أعماقي بنار الروح القدس ،
فأتحول إلى مركبة من مركبات حبك
النـاري ..
مركبة نارية تحمل للتعابى البُشرى العظيمة
بالإله الذي يشفي المنكسري القلوب ..
من كتاب الفخ انكسر – الأب دانيال
خدمة أنهار الحياة