المسيح «الحياة الجديدة»

نحيا في مجتمع تتضارب فيه الأقوال، ويتباعد فيه القول عن الفعل، وتغيب فيه القدوة والمثال. ونعيش في حقبة الازدراء والسقوط من جديد التي نزعها تجسد السيد المسيح منذ أكثر من ألفى عام. لتدفع بالذهن والقلب إلى البحث عن المعنى في الحياة. لذا يقول المفكر اللاهوتي بول تليش: “كيان المسيح هو عمله، وأن عمله هو كيانه” فلا يجوز الفصل بين المسيح كإنسان والمسيح كعمل فقد أصبح الله ظاهرًا ومشاركًا في مأزق الإنسان. بناءً على ما سبق،

سوف أعرض تعبيرات الكيان الجديد، ومدى اتساق القول فيها مع الفعل، من خلال عرض مُختصر  لفكر بول تليتش:
التعبير الأول: كلام المسيح
أول تعبير عن كيان يسوع باعتباره المسيح هو كلامه الذي هو “كلام الحياة الأبدية” والعهد الجديد يدعو المسيح نفسه “الكلمة” وهذا يظهر إن ما يجعله المسيح ليس كلماته بل كيانه المُعلن وهو يدعى “الكلمة” لأنه الاستعلانُ الذاتي النهائي لله. إلى جانب إن كيانه المدعو بـ “الكلمة” يُعبر أيضًا عن نفسه في كلماته، فكلمات يسوع لها القدرة على خلق الكيان الجديد، وهذا يُوضح صعوبة فصل يسوع عن أقواله، إذا تم ذلك لصار المسيح مثل بقية الأنبياء السابقين يعلم ويعظ فقط، وسيؤدي إلى الاعتقاد في تخليص الذات بالناموس. “الكلمة صار جسدًا، وحل بيننا” أي صار المسيح طبيعة إنسانية مُستعلنة.
التعبير الثاني: أفعال المسيح
المسيح هو الحياة الجديدة، فلا يمكن الفصل بين كلامه وأفعاله. وجعله مجرد مثل يُحتذى به. وهذا يتبين بوضوح في العهد الجديد الذي يظهر الصورة الحقيقية يسوع كالمسيح لكونه يمثل الجانب الإيماني العملي الذي أظهر في حياة التلاميذ والكنيسة الأولى والمتفق عليها بان المسيح هو المسيا المنتظر. هذا ما جعل بطرس يُطلق اعترافه “أنت هو المسيح” نتيجة أعمال المسيح التي تفوق عظمة كل الأنبياء السابقين وتفوق حدود الطبيعة المحدودة. توقع بطرس وبقية التلاميذ أن هذا هو النظام الجديد بشكل أرضي، ولكنهم شاهدوا خيبة أمل بسبب موت المسيح على يد النظام القديم على عود الصليب. وهذا قمة الفعل المسيحي الكفاري للمسيا المنتظر الذي صار واقعًا معلناً. هذه الأفعال لم تجعل يسوع هو المسيح، ولكن كيان يسوع الذي هو المسيح هو صنع هذه الأفعال؛ بالتالي لا يمكن الفصل بين كيان المسيح وأفعاله.
التعبير الثالث: الفعل يسبق القول
لم  يقف المسيح عند حد التعليم؛ بل كان يُعلم بالفعل معتمدًا على قاعدة العلاقة الصحيحة التي يتخللها الحب التي تسبق التعليم! فقدم للتلاميذ والمجتمع دروساً عملية منها الانفتاح على الأخر المختلف معه في الجنس فقبل المرأة السامرية المختلفة عنه في النوع والعرق وانفتح على المختلفين عنه فكريًا فقبل الفريسيين وبني معهم حواراً. كما قبل الخطاة والمهمشين وقدم لهم إشباعاً، وهذا ما جعل التلاميذ يعلنون ذلك، فبطرس يُعلن أنه المسيح؛ مما دفع الرب يسوع يمنع التلاميذ من إعلان طبيعته المسيانية، هذا ما دفع الناس تلتفت إلى تعاليمه التي كانت تجاوب على أسئلة الناس من يكون هذا؟
من خلال العمل فكان “يعمل النهار كُله”. وهذا يؤكد مركزية المسيح في الإعلان، التي تؤكد على أننا لن يمكن لنا أن نعرف المسيح من أمور هو لم يعلنها عن نفسه. من ثّمَّ يكون التجسد هو تحويل فكرة الخلاص داخل الذهن البشري إلى واقع معاش في التجسد والصليب والقيامة.
التعبير الرابع: القيامة
أخذ المسيح الموت على ذاته، بهذه الطريقة (وحدها) استطاع المسيح الاشتراك الكامل في الوجود وتحقيق النصرة على قوى الاغتراب التي حاولت تفتيت وحدته مع الله. فالله هو الفاعل دائمًا، والوسيط هو الذي يتم به العمل. ولكون المسيح هو متحد بالله، فهو اشتراك الله في الوجود الإنساني ليزيل الابتعاد. كما أن الخلاص دليل قوي على اتحاد المسيح بعمله، فلا يمكن الحصول على الخلاص إلا من خلال الشخص الذي اشترك في الوجود الإنساني. كما أن الصليب الذى أخضع نفسه فيه لموت الاغتراب الوجودي، والقيامة التي قهر فيها الاغتراب، فالصليب والقيامة متحدان معًا ولا يمكن فصلهما.
يا كنيسة اليوم! أين أنت من أقوال المسيح، الذي أعلن أن حاجة من حولنا هي المحرك الأساسي لخدمتنا، وليست رغباتنا الشخصية هي المحرك لخدمتنا؟
يا كنيسة اليوم! أين أنتِ من حقيقة: إن المحبة والعطاء من الأمور غير المشروطة التي لا ترتبط باللون أو الجنس أو العقيدة، بل قيمة العطاء بالكيف وليس الكم؟
يا كنيسة اليوم! أين أنتِ من توافق القول مع الفعل؟ وهل تعتمدين على القول (الوعظ) فقط دون الاهتمام بالفعل.
يا كنيسة اليوم! هل تَسعِين إلى تحويل الضغوط المُحيطة بكِ إلى اجتهادات ودافع للتغيير والإبداع والسعي نحو المسيح؟

 

الحياة المنتصرة