The Spiritual warefare – الحرب الروحية

لا يستطيع أحد أن يقرأ العهد الجديد، ولو بصورة عريضة، دون أن يدرك أن برنامج المسيح على الأرض يوصف وكأنه حرب ونضال. فأن المسيحية الحقيقية أبعد ما تكون عن المسيحية العصرية التي هي أشبه بتسليات “أرغن المتسولين” وهي في حقيقتها تختلف كل الاختلاف عن عيشة الترف وعن حياة اللذة التي تنشر بين الناس اليوم، فأنها بالأحرى جهاد حتى الموت، ونضال لا ينقطع ضد قوات الجحيم. ولا يستحق تلميذ أن يكون ملح الأرض ما لم يدرك أن المعركة قد نشبت وأنه لا يمكن إخمادها.
ويتحتم أن يكون هناك وحدة في الحرب. فلا وقت للمنازعات والمماحكات الصغيرة والغيرة الحزبية، والولاء المنقسم: فكل بيت ينقسم على ذاته يخرب. من أجل هذا وجب على جنود المسيح أن يتحدوا، والتواضع هو السبيل إلى الوحدة. هذا ما نتعلمه من الإصحاح الثاني من رسالة فيلبي. فمن المستحيل أن يكون هناك نـزاع مع إنسان متواضع حقا. ولا بد من اثنين حتى يقوم نـزاع.والنـزاع أو المخاصمة تأتي من الكبرياء. وحينما انتفت الكبرياء انتفى النـزاع.
تتطلب حياة الحرب الزهد والتقشف والتضحية. ولا بد للانتصار من التضحية. لذلك علينا نحن المسيحيين أن نضحي بكثير من نفقاتنا, فنستخدم مواردنا في جهادنا وحربنا.
قليلون استطاعوا أن يروا هذه الحقيقة بجلاء كما رآها تلميذ للمسيح من الشباب المتجددين حديثا اسمه ر.م. كان هذا الشاب رئيس الصف الأول في مدرسة مسيحية. وفي أثناء رئاسته هالته النفقات التي اعتادوا إنفاقها على فرق الصف وعلى الهدايا التي تمنح للصف في بعض المناسبات. ولكن هذا الشاب إذ رأى أن هذا النفقات لا تؤول إلى تقدم الإنجيل. استقال من وظيفته كرئيس للصف، ووزع على زملائه في يوم استقالته خطابا هذا نصه:

أيها الزملاء الأعزاء
عندما بحثت في النفقات والهدايا المعتاد توزيعها على فرق الصف أمام المجلس، رأيت لزاما على كرئيس للصف أن اتخذ موقفا مسيحيا إزاء هذه الأمور.
أعتقد أننا نجد فرحا أعظم لو بذلنا أنفسنا، وأموالنا للمسيح وللآخرين. فنجد بذلك صدق قوله “من أضاع حياته من أجلي يجدها”.
أن إنفاق المال والوقت على هذه الأشياء لا تنتج منها نتائج مباشرة لغير المؤمنين، فنحن عن طريقها لا نشهد ولا نبني كنيسة الله، وهذا يبدو مناقضا لمبدئنا، سيما والحقائق المؤلمة تؤكد أن 7000شخص يموتون يوميا من الجوع، ونحو نصف سكان العالم لم يسمعوا قط عن رجاء الإنسان الوحيد. أليس من الأفضل أن نستخدم المال في سبيل تمجيد الله ونشر الإنجيل بين سكان العالم الذين لم يسمعوا قط عن يسوع المسيح وبين البيوت الكثيرة في محيطنا بدلا أن ننفقه على حفلاتنا وملذاتنا التي تستنفد وقتنا ولا طائل منها؟
وبما أنني أعلم يقينا أن هنالك حاجات ملحة وفرضا كثيرة سانحة يمكن أن تنفق فيها الأموال لنشر ملكوت الرب يسوع ومجده عن طريق خدمة الآخرين في بلادنا وخارجها، فمن المستحيل عليّ أن اسمح _بصفتي رئيس الصف_ بأن تنفق أموال الصف على أنفسنا بدون مبرر.
فلو كنت أحد هؤلاء المحتاجين المعوزين، لرجوت كل الذين بإمكانهم مساعدتي أن يبذلوا ما في طاقتهم لسد أعوازي وإفساح المجال لي للتمتع بإنجيل المسيح وخلاصه. “وكما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم”. “وأما من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجا وأغلق أحشاءه فكيف تثبت محبة الله فيه؟ “لذلك فأني بروح المحبة والصلاة طالبا أن تروا أن الرب يسوع أعطى كل ما له (2كورنثوس 8: 9) أتشرف بتقديم استقالتي لكم كرئيس للصف سنة 1963.
زميلكم بالرب يسوع”ر.م.
الألم ملازم للحرب . فإذا كان الشباب اليوم يريدون أن يبذلوا حياتهم عن طيب خاطر في سبيل وطنهم، فكم بالأحرى يجب على المسيحيين أن يكونوا أكثر استعدادا لبذل حياتهم عن طيب خاطر لأجل المسيح ولأجل الإنجيل! لأن الإيمان الذي لا يكلف شيئا لا يساوي شيئا. وأن كنا نهتم بالرب يسوع، فيجب أن يكون هو الكل في الكل بالنسبة لنا. فلا يؤخرنا عن خدمته خوف من خطر، ولا محبة ذاتية ولا عناية جسدية.
لما أراد بولس الرسول أن يدافع عن رسالته ضد المنتقدين من صغار النفوس لم يشر إلى مركزه العائلي ولا إلى ثقافته ولا إلى امتيازاته العالمية بل أشار بالحري إلى آلامه لأجل الرب يسوع المسيح.
“أهم خدام المسيح. أقول كمختل العقل: فأنا أفضل في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارا كثيرا: من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة ألا واحدة. ثلاث مرات ضربت بالعصي. مرة رجمت. ثلاث مرات انكسرت بي السفينة. ليلا ونهارا قضيت في العمق. بأسفار مرارا كثيرة، بأخطار سيول. بأخطار لصوص. بأخطار من جنسي. بأخطار من الأمم. بأخطار في المدينة. بأخطار في البرية، بأخطار في البحر، بأخطار من أخوة كذبة. في تعب وكدّ، في أسهار مرارا كثيرة، في جوع وعطش. في أصوام مرارا كثيرة. في برد وعري. عدا ما هو دون ذلك. التراكم عليّ كل يوم. الاهتمام بجميع الكنائس” (2كورنثوس11: 23-28).
وفي مناشدته النبيلة وتحديه السامي لابنه تيموثاوس حضّه قائلا:
“فاشترك أنت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح”.(2تيموثاوس2: 3).
الطاعة العمياء إحدى متطلبات الحرب. فالجندي يطيع أوامر قائده دون استفهام أو تأجيل. فأن كان القائد الأرضي ينتظر هذا النوع من الطاعة من جنوده أفلا يجدر بالرب يسوع أن يطلبها في أتباعه. ألا يجدر بخالق العالم ومخلصه أن ينتظر طاعة عمياء، من أتباعه فيذهبون أنى يرسلهم دون تأجيل أو تفضيل؟
وتتطلب الحرب مهارة في استخدام الأسلحة. وأسلحة المسيحي هي الصلاة وكلمة الله. فعليه أن يواظب على الصلاة الحارة بلجاجة لأنها الوسيلة الوحيد التي تستطيع أن تهدم حصون العدو. وعليه أيضا أن يكون ماهرا بارعا في استخدام سيف الروح الذي هو كلمة الله. فالعدو يستخدم كل حيلة ممكنة ليسقط ذلك السيف من يده، فيلقي عليه ظلا من الشكوك في وحي الكتاب المقدس، ويشير إليه بما هنالك من مناقضات مزعومة، ويغرقه بحجج مناقضة من العلم والفلسفة والتقاليد البشرية ليصدّه عن الإيمان. لكن على جندي المسيح أن يقف راسخا في أساسه، شاهرا سلاحه القاطع ليستخدمه في وقت مناسب أو غير مناسب.
تبدو أسلحة المسيحي الحربية ضعيفة وغير لائقة في نظر أهل العالم. فالخطة التي استخدمها يشوع في الانتصار على أريحا تبدو غبية في نظر القادة العسكريين اليوم. وجيش جدعون الصغير يثير كثيرا من الهزء والسخرية . وماذا نقول في مقلاع داود، ومنساس البقر في يد شمجر، وجيش الله الصغير ممن يحسبهم أهل العالم من الأغبياء على مر العصور؟ الذهن الروحي يعرف أن الله لا يهمه ضخامة المدفعيات، لكنه بالأحرى يحبُّ أن يستخدم الضعفاء والفقراء والمزدري بهم في هذا العالم ليمجد نفسه بواسطتهم.
والحرب تتطلب أيضا معرفة العدو واستراتيجيته. وهكذا هي حال الحرب المسيحية: “فأن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات” (أفسس6: 12). ونحن نعلم أن “الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيما أن كان خدامه أيضا يغيرون شكلهم كخدام للبر. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم” (2كو11 : 14و15). ويعرف الجندي المسيحي المدرب أن أمر مقاوميه هم قادة الدين. لا يقاومه السكير، أو اللص، أو الزانية، بل خادم الدين. أما سمَّر قادة الدين مسيح الله على الصليب، أما اضطهدوا الكنيسة الأولى، أما لاقى بولس الرسول أشد الهجمات الوحشية على أيدي الذين اعترفوا بأنهم خدام الله. هذا ما حدث على مر السنين، فأن خدام الشيطان يغيرون شكلهم إلى خدام للبر، يتحدثون بلغة الدين، يلبسون ثياب الدين، يعلمون بتقوى وورع، لكن قلوبهم ملأى بغضا للمسيح وللإنجيل.
والحرب تتطلب تركيزا لا تشتيت فيه، لأنه “ليس أحد وهو يتجند يرتبك بأعمال الحياة لكي يرضى من جنده” (2تيموثاوس2: 4). وكذلك تلميذ المسيح يتعلم بألا يتساهل في أي شيء يحول بينه وبين التكريس التام للرب يسوع. فهو يصمد جامدا دون أن يعثر، يقف راسخا ثابتا، ولكن ضمن حدود اللياقة والأدب، له هدف واحد، يستنفد في سبيله كل حماسه وقواه، ويضحي لأجله بكل غال وثمين.
أما الشجاعة فضرورية جدا لمواجهة الخطر. “من أجل ذلك ألبسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا” (أفسس6: 13و14). ذكر أن الجندي المسيحي (أفسس6: 13-18) لا يرتدي درعا على ظهره، لأنه لا مكان للتقهقر والانسحاب. ولماذا الانسحاب؟ مادام “في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا”، فلا يقدر أن يتغلب علينا أحد، أو يهزمنا أحد لأن الله معنا، وأن كان الظفر مؤكد لنا قبل أن نبدأ المعركة، فكيف نفكر في التقهقر والانسحاب؟ بل نتقدم إلى المعركة ونحن نرنم:
حربنا العظمي تشب كاللظى الشديد

أنما الفادي المحب قائد مجيد

نعمة الرب العظيمة ضعفنا تعين

كيف نخشى من هزيمة نصرنا مبين