نجِّني مِن الطين

ما اكثر الصعوبات والمخاطر التي يمر بها الانسان خلال حياته.منها ما هو جسدي ومنها ما هو روحي ونفسي وهذه تكون في اكثر الاحيان اشدّ الماً ومعاناةً من آلام الجسد.ان تتحمّل كل هذه الآلام ليس لك الخيار فهي تلفّ حياتك واحياناً كثيرة لا منقذ. تطلب الموت لعلّك ترتاح واحياناً كثيرة لا تجده. الموت له طرق عديدة ومختلفة يأتي في ساعة لا تتوقّعها ولا تريدها.يقتحم حياتك احياناً وانت في عزّ نشاطك وقوّتك وعنفوانك وفي لحظة لا تخطر على بالك يرميك جثّةً هامدةً كانت تدبّ فيها الحياة وفارقتها. تعدّدت الاسباب والموت واحد انما كل اجلٍ له وقعه على قلب الانسان وعلى الآخرين.

أذكر عندما كنت طفلاً كانت جدّتي بعد الصلاة تسألنا ان نردّد هذه الكلمات من بعدها وهي دعاء الى الله:يا رب لا تميتني لا حريقاً ولا غريقاً ولا مشرّداً على الطرقات. كنت اردّد هذه الكلمات دون ان اعرف معانيها ولا تفاصيلها الى ان كبرت و رأت عيناي من خلال الحرب كم من الناس ماتت على الطرقات وليس من يسعفها او حتى يدفنها ولا نزال نرى هذه الامور حتى اليوم فيجرفونها بواسطة الآلات ويطمروها بعد ان فاحت رائحة الموت الكريهة منها.

وكم نرى ورأينا ايضاً صعوبة الموت في اتون النار ولا منقذ جسدٌ يحاول النجاة ولكن دون جدوى النار تلف جسده من كل صوب وتذيب لحمه وكثيراً ما تجد الناس من حوله عاجزين دون ان يجرؤ احد على الاقتراب منه او انقاذ ما تبقّى منه، امر صعب للغاية ومؤلم الى اقصى درجات الالم. واحيانا تجد شخصاً يتخبّط في لجج المياه محاولاً النجاة من الغرق ولا منقذ. المياه غمرته الى اعلى الرأس وابتدأت تدخل اعماقه وتكتم انفاسه وكل صراخه واستغاثاته تذهب سدىً فيرى الموت قادما نحوة بسرعةٍ وبقوّةٍ.حقّاً ما اصعبها من لحظات.

والغرق بالطين هو ايضاً من اصعب الحالات واشدّها خوفاً لانك ترى الناس من حولك ولكن لا احد يجرؤ للنزول اليك وانقاذك لانّ مصيره سيكون كمصيرك.في الادغال حيث لا يمكن ايصال الاسعافات  تنزل رجليك في الطين وتشعر ان جسدك يُؤخذ منك تصرخ وتستغيث ولا منقذ الى ان تختفي ويختفي معه صوتك.

نعم احبّائي قد ذكرت كل هذه الامور وما اصعبها والرب لا يسمح لايّ واحد منّا ان يجتاز بها، انما ونحن في هذه الحياة نجتاز بما هو اصعب دون ان ندري الا وهو طين الخطيئة. فالخطيئة تشبه الرمال المتحرّكة او الطين الذي في ثنايه نغرق يوماً بعد يوم ولا نقوى في الكثير من الاحيان على النجاة، لاننا نستعين بالبشر لانقاذنا ناسين ما هو مكتوب ملعون كل منّ اتّكل على ذراع بشر.وحده الله القادر ان ينجّي، هو المنقذ من كلّ الشرور ومخاطر ابليس. هو الله الذي ينظر الى المسكين في يوم الضيق وينقذه.هو الذي ينتظر ان نعود اليه بكل احمالنا واثقالنا ومتاعبنا وهمومنا وامراضنا وكل ما فينا من عيوب لكي يغسّلنا ويطهّرنا ويشفينا ويجعل منّا خليقة جديدة تليق بشخصه.يطهّرنا من كل خطيئة تلف حياتنا وكياننا وتجعلنا نغرق يوماً بعد يوم الى ان يخطفنا الموت. هو المنقذ الوحيد الذي إن دعوناه يأتي سريعاً ويستجيب.

يقول داود في المزمور:اما انا فلك صلاتي يا ربّ في وقت رضى يا الله بكثرة رحمتك استجب لي بحق خلاصك.نجّني من الطين فلا اغرق نجّني من مبغضيّ ومن اعماق المياه. لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العمق ولا تُطبِق الهاوية عليّ فاها. استجب لي يا رب لانّ رحمتك صالحة.ككثرة مراحمك التفت اليّ. ولاتحجب وجهك عن عبدك. لانّ لي ضيقاً. استجب لي سريعاً. اقترب الى نفسي. فكّها بسبب اعدائي افدني. انت عرفت عاري وخزيي وخجلي. قدّامك جميع مضايقيّ. العار قد كسر قلبي فمرضت. انتظرت رقّة فلم تكن ومعزّين فلم اجد. (مزمور69/13الى20)

عار الخطيئة يلف حياتنا وكياننا كل يوم وطينها يغرقنا في لججه يوما بعد يوم ولا منقذ ودون ان نشعر اننا نقترب من الموت وانّ الهاوية تفتح فاها لتطبقه علينا وتفنينا. نعيش في هذا العالم ونغرق في لججه دون ان ندري اننا بعشقنا له نحن ندمّر انفسنا لاننا نبتعد عن الله ناسين ما هو مكتوب: لا تحبّوا العالم ولا الاشياء التي في العالم. اي احبّائي القصد ان لا نحب الخطيئة التي يعيشها العالم ولا ان نغرق في لججها وفي طينها. لتكن عيوننا دائماً الى الله وقلوبنا مرتفعةً دائما نحوه لانّه هو وحده المنقذ فلا نحاول الاتّكال على انفسنا ولا على الآخرين لاننا حتما سنسقط كما هم سقطوا وسنغرق كما هم في طين الحمأة والخطيّة.

يقول الرب: ادعني في يوم الضيق انقذك فتمجّدني. نعم هو وحده المخلّص وليس باحد غيره الخلاص. يمحو خطايانا ولا يعد يذكرها لنا. هو الذي يسهر علينا ليعطينا راحة وسلام يقول المرنّم: معونتي من عند الرب صانع السموات والارض لا يدع رجلك تزلّ لا ينعس حافظك. (مزمور121/2)

شكراً للرب لانه هو حافظنا ومنقذنا وفادينا. شكراً له لانّه يسهر علينا يحمينا من كل الشرور ويملأ افواهنا ضحكاً وترنّما. لانّ الخطيئة احبّائي تبكم افواهنا وتسلب عقولنا وتقلق راحتنا طعمها في البداية وكأنّه لذيذ ولكن عندما تدخل الى الجوف تصبح سمّاً قاتلاً وليس من منقذ ومنجّي سوى الرب يسوع ان دعوته يأتي اليك وينقذك مهما كانت ظروفك.

لا نفتكر بحالتنا الميؤوس منها احبّائي فليس هناك امر صعب على الرب لانه كما يقول: غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الرب. هو القادر على كل شيء ولا يعسر عليه امر. القِ همومك عليه وتعال اليه هو فاتح ذراعيه ليحضنك وينتظرك لانقاذك. ادعوه اليوم ولا تؤجّل، اليوم يوم خلاص اليوم يوم مقبول ان سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم. بعدها تتحرر لانّه انكسر الفخ ونحن انفلتنا تحرّرنا من سلطة الشيطان ومن وحول الخطيئة لانّ الهنا ربّنا يسوع المسيح انقذنا وحرّرنا وجعلنا اولاداً له بعدما كنّا عبيداً للخطيئة.

نشكرك يا رب لانّك هو المنقذ الوحيد الذي احبّنا حتى الموت موت الصليب وقدّمت نفسك فديةً عنّا ندعوك اليوم يا رب ان تكون انت وحدك السبد على حياتنا لاننا لم نعرف طعم الحرّية إلاّ بك لك المجد والكرامة والسجود الى ابد الآبدين. آمين

 

الكنيسة المسيحية العربية