لا تهتمّوا للغد

 منذ فجر التاريخ ، حين طرد الله آدم من الجنة بعد عصيانه عليه و مخالفة وصيته قال له: ملعونة الأرض بسببك . بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. شوكاً و حسكاً تنبت لك و تأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزك حتى تعود الى الأرض التي أُخذت منها. لانك تراب و الى تراب تعود.(تكوين3/17,18و19)

و من حينه و الإنسان يعمل و يعمل بالأرض لكي يؤمن معيشته و حياة أولاده.يتعب و يشقى، أحيانا ليلاً نهاراً ، لكي يؤمن الحد الأدنى من العيش الرغيد له و لعائلته. و إذا جلس كلٌ منّا يستعرض صور حياته و ماضيه لغاية اللحظة التي نعيشها. و يحسب الأيام التي قضاها يعمل و يكدّ و يجتهد تختصر كل هذه اكثر من نصف عمرنا. و الباقي إمّا في النوم و الاكل و الشرب و اللهو و أمور عديدة أخرى. البعض من البشر يكتفي بما قاله الرب يسوع: اعطنا خبزنا كفاف يومنا.

البعض الآخر يريد ان يزيد عليها و يجمعها اكثر فأكثر خوفاً من أيام الجراد أي أيام الضيق فهم مع المثل القائل: خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود.و البعض لا يترك فرصة الا و يعمل بها لكي يحصل على المال الوفير، ليصرفه على أهوائه و ملذّاته و شهواته ، وعندما يفتقدها يعود من جديد لجمعها. و في النهاية سيأتي يوم بغتةً ، الجاهل لا يحسب له حساب يرحل الإنسان تاركاً كل شيءٍ وراءه ، و حتى الثياب التي على جسده تبلى و تفنى و يعود الإنسان الى التراب.

ترى و هذا المال الوفير الذي جمعه، و العقارات و الأسهم و كل أنواع و مشتقات المال التي اشتراها و بناها و جمعها، ماذا فعلت او قدّمت له يوم رحيله. لا شيء الكل باطل و قبض الريح. سليمان الحكيم يقول في سفر الجامعة من الكتاب المقدّس: إذا كثرت الخيرات كثر الذين يأكلونها ، و ايّ منفعة لصاحبها إلاّ رؤيتها بعينيه.( الجامعة 5/11)

هذا الصنف من البشر اعمى الشيطان أذهانهم و عيونهم عن رؤية الذين حولهم ، ووجّه أنظارهم و ضمائرهم الى جمع المال و النظر اليه بشغفٍ و لذّةٍ . دون ان يشعروا بنعمة الله التي انعم بها عليهم لكي يساعدوا من حولهم . فحرّموا امولهم عن نفوسهم و عن الآخرين.تاركين الله غير آبهين و عند الرحيل يتركون كل شيء، كل ما جنته و جمعته أياديهم. يقفون بخجل و وجل أمام الله الديّان ليقدموا حساباً على ما فعلوا طيلة حياتهم.

أين الله في حياتنا كبشر ؟ وهبنا 24 ساعة في اليوم كاملةً نقضيها في العمل و النوم و المأكل و المشرب و اللهو و كم من الساعات التي نتسمّر فيها على شاشات التلفزة ، غير شاعرين بمرور الوقت. و ينتهي الليل و النهار معاً و لا نلتفت الى الله و لو لبضع دقائق نشكره فيها على كل ما وهبه لنا من صحة و عمل و شاط و قوة. او حتى نسأله عن الصحة في المرض و عن المأكل في الجوع و عن الكسوة في أيام البرد و الحر و عن راحة البال و السكينة و الهدوء عند نشوب عواصف الحياة من حولنا. همّنا ما هي مشاريعنا ليوم غد او الشهر القادم و حتى يصل بنا الأمر لكي نخطط للسنين القادمة.نتكلم و نفكّر و كأننا نعيش الى الأبد. غير آبهين من الذي يجري من حولنا و لا نتعلم من الذي أصاب غيرنا.

كم نسمع عن أشخاص ناموا و لم يستيقظوا في الصباح. و كان في فكرهم أمور و مخططات كثيرة.عندما يستفيقون في العد سينفذونها. و لكن آتاهم الموت بغتة فرحلوا دون ان يخطر على بالهم يوما انهم كغيرهم من البشر سيموتون.

الرب يسوع خاطب تلاميذه قائلاً: لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون و بما تشربون . و لا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة افضل من الطعام، و الجسد افضل من اللباس.انظروا الى طيور السماء . أنها لا تزرع و لا تحصد و لا تجمع في مخازن . و أبوكم السماوي يقيتها. فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس. فإنّ هذه كلها تطلبها الأمم . لان أبوكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون الى هذه كلّها. لكن اطلبوا أولا ملكوت الله و برّه و هذه كلها تزاد لكم. فلا تهتموا للغد.لان الغد يهتم بما لنفسه . يكفي اليوم شرّه.(متى 6/25 الى34)

فالرب لا يريدنا ان نكون كسالى، غير منتجين بل بالعكس ، ان نعمل لكسب قوتنا و تأمين معيشتنا. لكنّه لا يريد منا ان يسرق العمل و المال و الثروة كل أيامنا و اهتماماتنا . و يسلب قلوبنا و عقولنا و أفكارنا عن الله و نعيش لانفسنا غير ناظرين الى الحياة الأبدية .فنقضي حياتنا خداماً للمال و ننسى من وهبنا الحياة و كل ما فيها . فنشكره و نمجّده و نضعه في المرتبة الأولى في حياتنا بدلاً من ان يكون منسيّاً و لا حتى له وجود في حياتنا. لان الله وحده القادر ان يحمينا من غدرات الزمان. و ان ينصرنا على التجارب. لانّ فيه كل الشبع و السرور كما هو مكتوب: أشبال احتاجت و جاعت .أما طالبوا الرب فلا يعوزهم شيء من الخير. هدفهم هو الله و لا شيء آخر. حياتهم هي المسيح  . بولس الرسول يقول: احسب كل شيء نفاية لكي اربح المسيح.

الفواتير و الاستحقاقات المالية و الأمور الحياتيّة ، تأخذ كل وقتنا في التفكير و العمل و كأننا نعيش الى الأبد. من يضمن حياته لثوانٍ؟ فكيف اذاً لشهور او سنين.يعقوب الرسول يقول في رسالته: انتم الذين لا تعرفون امر الغد.لانه ما هي حياتكم . انها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل.(يعقوب 4/14) و أيضا جاء في سفر الأمثال: لا تفتخر بالغد لانك لا تعلم ماذا يلده يوم.(امثال27/1)

أحبائي يجب ان نجتهد و نعمل لكي نعيش. و ان ننظر الى المستقبل بأمل و حياة و نقول ان شاء الله سوف نعمل هذا او تلك. و ان لا ننسى الله في حياتنا بل يكون هو المحور الأساسي في حياتنا و هو حجر الأساس الذي نبني عليه مستقبلنا و مستقبل أولادنا. راكنين عليه و لا على أي شئ آخر. لانه هو الله القادر على كل شيء. هو حاضرنا و مستقبلنا و بدونه كما يبني على الرمل يسقط كل ما بناه عند أول عاصفة. يريدنا ان لا نخسر أنفسنا و هو القائل: ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه. يريد منّا ان نكون في حالة صلاة دائمة في كل وقت و أمام أي أمر قائلين: لتكن مشيئتك . أي إرادتك يا رب في حياتنا.

أحبائي نصلّي معاً حتى الرب يحفظ أفكارنا و قلوبنا في المسيح يسوع و يجعل منّا أولاد الله . عاملين مرضاته كل حين . مكتفين بما سمح الله لنا به. شاكرين كل حين، معظّمين اسمه قائلين: انت الهي لا سواك. لك منّا يا رب كل محبة و سجود و عبادة الى ابد الآبدين.

آمين.

arabicchristianchurch.com.au