قيود

نعم .. قد يعاني المؤمنون من قيود الأرواح الشريرة ..

ولكن كيف ؟ كيف يكون الرب يسوع داخل مؤمن مقيد ؟!

لقد قال الرب لكل المؤمنين به الذين يعيشون له أنا فيكم ” (يو 14: 20) ، فكيف يكون هو فيهم وفي ذات الوقت يكونون مقيدين من مملكة الظلمة في مجال أو أكثر ، ويجاهدون من أجل الحرية الكاملة ؟ ..

أليس هذا سؤالاً محيراً ؟ ..

وهل وقوعنا في عبودية لخطية معينة لازلنا نجاهد ضدها يعني أن الرب ليس في القلب ؟

آه ما أكثر استخدام إبليس لمثل هذه الأسئلة ليُشكك بها الكثيرين في وجود علاقة حقيقية لهم بالسيد المسيح ، وهو يشككهم لكي يقودهم إلى اليأس ..

كلا أيها الصديق ، ليس الموضوع مطلقاً كما يحاول أن يوحي لنا إبليس .. وتعال معي ندرس الأمر بهدوء لنفهم الحقيقة ..

يميز لنا الوحي بين ثلاثة أجزاء تُكَوّن الإنسان .. الروح والنفس والجسد ..

يقول الرسول بولس في رسالة تسالونيكي الأولى إله السلام يقدسكم بالتمام ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم ” (1تس 5: 23) ..

لا شك أنه من السهل أن نميز الجسد عن النفس والروح ، فالجسد منظور ولكن من الصعب نوعاً ما أن نميز بين النفس والروح .. أما الرسول بولس فيميز بوضوح شديد بينهما ، فحين تحدّث عن فعل كلمة الله الحية في الإنسان قال عنها أنها خارقة إلى مفرق النفس والروح ” (عب 4: 12)..

وواضح من كلمات الرسول أن النفس غير الروح وكلاهما شيء مختلف عن الجسد ..

يقول مار اسحق النفس موضوعة بين الجسد والروح ” ..

الجسد له حواس خمس نقدر بها أن نعي العالم الذي حولنا ..

والنفس هي الجزء الذي فينا الذي به نعي ذواتنا ، وهي تشمل الفكر والعاطفة والإرادة واللاشعور ..

أما الروح فهي الجزء الذي به نتصل بالله لتكون لنا شركة معه .. يقول الرسول بولس الله الذي أعبده بروحي ” (رو 1: 9) ، ولكي تفهم أكثر ما أقول إليك هذا المثال ..

شخص يقرأ الإنجيل .. إنه يستخدم جسده ( عينيه ) ونفسه ( فكره ) ، ولكن بالرغم من أنه على قدر عال من الذكاء (إمكانيات نفسه جيدة) إلا أنه لا يشعر بتأثير الكلمات التي يقرأها .. العيب ليس في جسده ولا في نفسه بل في روحه ..

يكتب الرسول بولس قائلاً الإنسان الطبيعي [ حرفياً النفساني “Psuchikos”] لا يقبل ما لروح الله ” (1كو 2: 14) ..

أيهـا القـاريء

إذا استوعبت هذه الحقيقة ، أن الإنسان يتكون من روح ونفس وجسد ، استطعت أن تفهم بسهولة كيف يكون إنسان في المسيح والمسيح فيه وفي ذات الوقت يكون مقيداً من الأرواح الشريرة في مجال أو آخر ..

نعم هو حي بالمسيح والمسيح فيه .. نعم روحه حية بالمسيح والمسيح في روحه .. يقول الرسول بولس : ” من التصق بالرب فهو روح واحد ” (1كو 7: 17) المسيح يسكن في روحه ، ولكن هذا لا يمنع أن تكون نفسه أو جسده أو كلاهما مقيدين من الأرواح الشريرة في مجال أو أكثر..

وحين يخضع الإنسان لمُلك الرب يسوع فإن عمل الرب المجيد المحرر يبدأ من الداخل إلى الخارج ، من الروح إلى النفس إلى الجسد حتى يتحرر الإنسان بالكامل من أي قيد من العدو ..

لقد قام لعازر من الموت ، قام حياً ولكن مع هذا فقد خرج من القبر وهو لا يزال مقيداً بالأقمطة التي دُفِنَ بها .. قال يسوع لمن حوله حلوه ودعوه يذهب ” (يو 11: 44) ..

كثيرون من المؤمنين لهم حياة مع المسيح .. أرواحهم حية به .. هو حياتهم ، ولكنهم مع هذا لا يزالون مثل لعازر، لا تزال بعض مجالات تصرفاتهم (المتعلقة بالنفس والجسد) محاصرة بالأرواح الشريرة .. إنهم مقيدون وفي احتياج إلى الحرية ..

هؤلاء ليست لهم قوة أن يفعلوا أُموراً معينة يريدون أن يفعلوها أو قد يشعرون بأنهم مرغمون على فعل أُمور أخرى لا يرغبون فيها ..

تسيطر الأرواح الشريرة على بعض مجالات حياتهم تماماً كما تحاصر جيوش الأعداء المدن وتفصلها عن باقي أراضي الوطن الحرة ..

يقول القديس مقاريوس الكبير (القرن الرابع) في إحدى عظاته : ” ما هو الكنز الذي يركز عليه ذهنك ..

هل ذهنك محصور بكليته في الله أم لا ؟ ..

إن كان لا ، فلتخبرنى ما الذي يمنع .. بالتأكيد أرواح شريرة ..

فالشيطان وجنوده هم الذن يأسرون الذهن ويعرقلون النفس ..

الشيطان هو الذي يأسر طرقات النفس وأيضاً الأفكار ، وهو الذي يعوقها عن أن تصلي صلاة حقيقية ” ..

لكـــن انتبــه

انتبه .. فإن الأرواح الشريرة تحب أن تعمل في الظلمة مجتهدة أن لا تنكشف أعمالها .. إنها تبذل كل ما في استطاعتها لكي لا يدرك المقيدون أنها هي التي تقيدهم ..

قد توحي لهم بأن الأمر هو مجرد ضعفات يعانون منها .. هي تفعل هذا لكي تضللهم مُحولة أنظارهم عنها .. إنها لا تريدهم أن يكتشفوا وجودها حتى لا يقاوموها ويُجبروها على إنهاء سيطرتها عليهم ..

وإمعاناً في التضليل قد تروج للقول بأن المؤمن الذي اعتمد لا يمكن ابداً أن يُقيد .. لكن هل هذا ما تعلنه كلمة الله الصادقة ؟ .. كلا ..

أنظر إلى سيمون .. قال عنه الكتاب أنه آمن واعتمد (أع 8: 13)، ولكن لإنه استسلم للشيطان قال له الرسول بطرس إني أراك في مرارة المُر ورباط [ قيد ] الظلم ” (أع 8: 23) ..

وحنانيا ألم يكن من المؤمنين ؟.. نعم ، لكن تأمل ما قاله الرسول بطرس له لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس ” (أع 5: 3) ..

لكن يجب الإشارة إلى أن تقييد الأرواح الشريرة لإنسان في مجال أو أكثر (Demonic Obsession) لا يعني أنها تسكن هذا الإنسان بكامله (Demonic Possession) ، هناك فرق بين الحالتين .

إننا في هذا الفصل والفصلين التاليين نقصر حديثنا عن الحالة الأولى (القيود) مؤجلين الكلام عن الحالة الثانية إلى الفصل السادس ..

والآن ما الذي يعطى للأرواح الشريرة إمكانية أن تقيد مؤمناً ؟

دعنا أولاً نُلقى نظرة شاملة على أنواع القيود قبل أن نجيب على هذا السؤال ..

أنــواع القيــود

شخص له علاقة مع الرب يسوع ولكن مع هذا فهو دائماً يكذب .. وكل مرة يكذب فيها يحزن جداً لأنه من أعماقه لا يريد أن يكذب ، لكنه يجد نفسه ودون إرادة منه يكذب وباستمرار .. ماذا نقول عن حالته ؟ .. إن روح الكذب الذي سيطر على أنبياء آخاب في العهد القديم (امل 22: 18- 23) يسيطر عليه .. إنه في احتياج إلى أن يتحرر منه ..

وشاب يجب الرب يسوع ويريد أن يحيا معه طائعاً وصاياه بأمانة ، لكنه مع هذا دائماً يقع في خطية جنسية .. حاول بقدر طاقته أن يتخلص منها ، لكن كل محاولاته باءت بالفشل .. لماذا لم ينجح؟ إن روح الزنى ” (هو 4: 12) يسيطر عليه وليس هناك من بديل عن دخول المعركة معه لطرده بعيداً ..

وقد تسيطر أرواح نجسة على أشخاص فيصابون بمرض الشذوذ الجنسي .. كما قد تسيطر
روح نهم على إنسان ، يقول القديس يوحنا الدرجي (القرن الرابع) : ” كثيراً ما يستقر الشيطان
[
الروح الشرير ] في بطن إنسان فلا يشبع ولو أكل مصر كلها وشرب نيلها ” ..

وهذا شخص آخر يتردد في ذهنه شتائم قبيحة ضد الله وتصورات جنسية عنه .. تَرِد بين الحين والآخر ، ولا سميا في أوقات الإنشغال الروحي .. ما هذا الذي يحدث معه ؟ .. إبليس كاذب جداً ، يقول له هذا هو قلبك ، إنه مليء بالشرور ” .. ولطالما صدق هذا الأخ كلمات العدو وازداد حزناً على حالته وكرهاً لحياته ، بينما الحقيقة أن ذهنه مقيد بأرواح شريرة تبث فيه دائماً هذه الشتائم وتلك التصورات ..

هذا الشخص في احتياج حقيقي لأن يواجه الأرواح الشريرة ويقاومها لكي تهرب عنه ..

المرضــى نفســياً

وجزء كبير من المرضى النفسيين الذين يرقدون في المستشفيات للعلاج ، يتناولون جرعات متنوعة من الأدوية وأحياناً يعالجون بالصدمات الكهربائية بينما احتياجهم الأول هو إلى الرب يسوع ليحررهم من قيود الأرواح الشريرة ..

قيــود عاطفيــة

وهذا شخص يميل بشدة إلى فتاة لا تصلح له ولا تتناسب معه ، ومع أن كل الناضجين الذين يعرفونه ويعرفونها يتنبأون بفشل حياتهما معاً ، وبالرغم من أنه مقتنع داخلياً بوجهة نظرهم إلا أنه رغم كل هذا يشعر بقوة تجذبه نحوها هو عاجز عن مقاومتها .. قوة تجعله يُسرع الخطوات للإرتباط بها ..

ماذا ؟.. إن أرواح الهوى قد شنت هجومها عليه ، ولأنه لم يقاومها بالطريقة التي شرحها لنا الوحي صار عبداً لها خاضعاً لسيطرتها .. يقول القديس يوحنا الدرجي عندما يريد إبليس أن يربط شخصين كل منهما بالآخر برباط ، يؤثر في ميول كل منهما ثم يشعل فيهما نيران الرغبة ” ..

نعم ، كثيراً ما تسيطر الأرواح الشريرة على العلاقات بين الأشخاص ، فتزيد من الإرتباط الضار غير المطلوب وتضع معوقات ضخمة في سبيل الإرتباطات النافعة المرغوب فيها .. فقد تضع فتوراً متبادلاً في العاطفة بين الزوجين ، وقد تؤثر عليهما بروح خصام كالذي صنع قديماً قتالاً بين أهل شكيم وأبيمالك ( قض 9: 23 ) ..

ويروى لنا روفينوس المؤرخ ضمن القصص التي سردها عن الأنبا مقاريوس الكبير ، قصة المرأة التي امتنعت عن التناول فترة طويلة فأعطت الفرصة لأحد السحرة أن يؤثر عليها .. لقد أراد هذا الساحر أن يُفَرّق بينها وبين زوجها ، فماذا فعل ؟ .. أثّرَ بالأرواح الشريرة على وجهها فصار قبيحاً جداً في عيني رجلها .. أما تكملة القصة ، فقد ذهبوا بها إلى الأنبا مقاريوس الذي أنبها على بعدها عن مائدة الرب فترة طويلة وصلى لها فعاد وجهها كما كان ..

قيـود فـي الدراسـة

وهذا شاب له علاقة بالمسيح ومع هذا فهو مقيد في دراسته .. كان من قبل متفوقاً لسنوات عديدة لكن فجأة حدث تغيير .. إنه يشعر الآن بأن قوة تشده بعيداً عن كتبه ، وإذا نجح في أن يجلس للإستذكار فإنه سرعان ما يجد ذهنه عاجزاً عن الإستيعاب .. لقد استمع بإتضاع وبرغبة جادة في الإصلاح إلى نصائح كثيرة من أحباء له ، حاول مرات بلا عدد لكن النتيجة دائماً كانت الفشل .. لماذا ؟ لأن كل محاولاته أغفلت أنه مقيد من الأرواح الشريرة وأنه لن يعود إلى تفوقه إلا إذا واجهها بقوة الرب يسوع ، وطردها بسلطان اسمه ..

قيــود فــي اللاشــعور

وقد تمد الأرواح الشريرة نفوذها إلى اللاشعور (the subconscious) فيحلم الإنسان أحلاماً مزعجة جداً، فقد يحلم بوقوع حوادث مؤلمة .. يقول القديس يوحنا الدرجي تحاول الأرواح الشريرة أن تقلقنا عن طريق الأحلام ” ..

ويصبح الأمر أكثر خطورة إذا صدق الشخص أن الحوادث المؤلمة التي يراها في أحلامه سوف تحدث بالفعل .. هذا التصديق له نتائج خطيرة ، فعندما تصدق ما تقوله الأرواح الشريرة فهذا يعنى أنك تُخضع نفسك لها وتعطيها الحق أن تحول الحلم إلى واقع ..

قيود تتعلق بوقوع حوادث

ذات يوم لجأ رجل أعمال يمتلك شركة أعمال حرة إلى جماعة من السحرة ليدلوه على الشخص الذي سرق منزله .. ماذا حدث ؟ .. قيدته الأرواح الشريرة ، فأصبح شيئاً مألوفاً أن تقع حادثة لأي عربة نقل تسير حاملة شيء من ممتلكاته .. هذا مثل وإليك آخر ..

فتاة لجأت إلى السحر لكي تتزوج .. تزوجت بالفعل ، فماذا حدث لها ؟ .. تكرر وقوع حوادث مؤلمة لها أو لأولادها بعد كل مناسبة مفرحة تمر بها ..

وشخص ذهب إلى [ عرّافة ] فأخبرته بأنه ستقع له حادثتان خطيرتان .. لم يتب عن هذه الخطية ، ولم يحتمِ بدم المسيح ، فقيَّده الشيطان ونفَّذَ معه بالفعل ما سبق وأنبأ به ..

وسيدة تركت أخرى تقرأ لها [ الفنجان ] فتنبأت لها بمرض ستتعرض له .. وبالفعل تمم الشيطان كلماته ، لقد أعطت له الفرصة بالتجائها إلى إحدى دوائر الإتصال به ..

قيــود فـي العبــادة

كما قد تظهر قيود الأرواح الشريرة في النفور الشديد من أجواء العبادة الحارة بالروح ، ووجود صعوبة حقيقية في الصلاة وقراءة الكلمة والتقدم للتناول والجلوس مع شخص مملوء بروح الله ويتحدث بكلماته .. يتحدث القديس مقاريوس الكبير عن هذه الحالة قائلاً الأرواح الشريرة تكون قد أحاطت النفس بأسوار شاهقة وقيدتها بربط الظلمة وهكذا يصير الإنسان عاجزاً عن أن يحب الرب كما يريد وأن يؤمن به كما ينبغي وأن يصلي كما يود ” ..

كما قد يؤثر روح الغيّ ، روح التشويش والإرتباك على بعض الأشخاص أثناء استماعهم للعظات الروحية فيفهمون ما يسمعونه على نحو مختلف تماماً عما هو مقصود فعلاً منها، والعجيب أن هذا قد يحدث أيضاً للأذكياء .. وقد يؤثر هذا الروح أيضاً على رؤيتهم للأُمور الروحية ..

فهذا شخص ذهب إلى اجتماع روحي قوي ، شعر أغلب الحاضرين فيه بحضور الله الواضح وتعزوا تعزية ليست بقليلة .. أما هو فلم يشعر بأي شيء مثل هذا بل رأى الاجتماع مجرد مكان التقى فيه بأصدقائه .. ما السبب في أن رؤيته مختلفة ؟ .. إن روح الغيّ يسيطر عليه .. انظر هذا المثل..

هل كان من الممكن لأحد من شعب الله في العهد القديم أن يقول عن أرض مصر (أرض العبودية) إنها الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً (أرض كنعان) ؟!! أمر غير متوقع تماماً ، لكن هذا ما حدث بالفعل .. لقد أثّر روح الغيّ على داثان وأبيرام فقالا لموسى : ” أقليل أنك أصعدتنا من
[
مصر ] أرض تفيض لبناً وعسلاً ” (عد 16: 13) .. كيف فقدا الرؤية .. كيف نسيا قيود فرعون الثقيلة .. كيف نسيا العبور المجيد للبحر الأحمر؟؟ .. آه ، إنها القيود التي يقيد بها روح الغيّ البعض ..

كما يشير الرسول بولس في رسالته الأولى إلى تيموثاوس إلى أرواح شريرة تسمى أرواحاً مُضلّة ” (اتى 4: 1) ، وهي أرواح خطرة تسيطر على أذهان البعض وتجعلهم يؤمنون بأمور تتعارض مع ما يعلنه الوحي ..

قيــود فـي الأجسـاد

جسد المؤمن ثمين للغاية .. الوحي هو الذي يعلن هذه الحقيقة ، فالجسد هو هيكل لروح الله (1كو 6: 19) .. و الجسد للرب .. والرب للجسد ” (1كو 6: 13)، وأعضاء جسد المؤمن هي آلات بر لله ” (رو 6: 13) .. والله يريد من كل مؤمن أن يقدم جسده له ذبيحة حية (رو 12: 1) ، جسداً يخضع للحياة حسب الروح .. جسداً يخضع للروح في العبادة وخدمة الآخرين والكرازة بالكلمة..

إبليس يعرف هذه الحقيقة، وهو يعرف جيداً أهمية الجسد للمؤمن .. آه ، كم يود أن يسيطر عليه بأرواحه الشريرة ..

أحياناً ينجح إبليس في سيطرته على أجساد المؤمنين.. هذا يظهر بوضوح من كلمات الرب يسوع عن المرأة التي شفاها بعد أن كانت منحنية لا تقدر أن تنتصب البتة مدة ثماني عشرة سنة .. لقد قال الرب عنها : ” هذه وهي ابنة إبراهيم قد ربطها [ قيدها ] الشيطان ثماني عشرة سنة أما كان ينبغي أن تُحَلّ من هذا الرباط ” (لو 13: 16) ..

لاحظ معي أنها لم تكن أُممية .. لقد كانت من خاصة الرب .. ابنة إبراهيم ، ومع هذا فقد قيّد الشيطان جسدها .. لقد سيطر عليه بأحد أرواحه الشريرة ، ولم يفت الوحي أن يذكر لنا اسم هذا الروح وإذا امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة ” (لو 13: 11) ..

وقد تظهر قيود الشيطان في حواس الإنسان فتُصيب حاسة أو أكثر بالضرر أو بالعجز ، ويسجل لنا القديس مرقس في إنجيله قصة شفاء شخص أُصيب بالخرس والصمم وهو بعد صبي ..

أتوا به إلى الرب يسوع ، فماذا فعل معه ؟ .. لقد انتهر الروح النجس وقال له أيها الروح الأخرس الأصم أنا آمرك. أخرج منه ” (مر 9: 25) ..

تأمل معي كلمات الرب أُنظر إنها تقطع بأن الروح الشرير الذي كان بالرجل هو المسئول عن فقدانه القدرة على السمع والتخاطب .. ونلاحظ هذا في إحدى الصلوات القديمة التي لاتزال محفوظة فهي توجه ضمن صلاتها هذه الطلبة الهامة وروح الأمراض اطرده ” .. هنا الطلب ليس من أجل مجرد شفاء عضو بل لطرد روح شرير ..

أيها القاريء ، ليست كل الأمراض التي تصيب المؤمنين هي بمشيئة الله لأجل تأديبهم أو تدريبهم .. هناك أمراض قد تأتي عليهم بسبب استسلامهم لهجوم الأرواح الشريرة .. هناك أمراض هي قيود من إبليس في الأجساد ..

هي قيود يستخدمها لإسقاط المؤمنين في التذمر كما فعل مع أيوب (أى 2: 7) ، وقد يكون هدفه منها أن يعوق الخدام الملتهبين بالروح عن الكرازة ..

فقد يبدأ خادم خدمة نشيطة للغاية بالروح ويجذب نفوساً كثيرة للمسيح ، ولكن بعد وقت يجد أن صحته ليست كما كانت من قبل بل قد تسؤ حتى لا يقدر على الاستمرار في الخدمة .. قد يكون الأمر هجوماً من لإبليس لم يقاومه ، فلم يتعلم أن ينتهره مثلما فعل الرب مع حماة سمعان عندما انتهر منها روح الحمى ” .. لم ينتهر المرض لذا لم يُشفَ منه ..

لقد تحدث سفر التثنية عن هذه الأمراض التي يريد إبليس أن يقيد المؤمنين بها ووعد أن الله سيحرر أولاده منها .. ” ويرد الرب عنك كل مرض وكل أدواء مصر [ أرض إبليس ] الرديئة ” (تث7 : 15) ..

آه ، متى يتعلم أولاد الله أن يكتشفوا الأمراض التي تأتي عليهم هجوماً من إبليس ؟ .. متى يتعلمون كيف يقاومونها حين يكتشفوا وجودها ، وكيف ينتهرون بإسم الرب يسوع الأرواح الشريرة التي حملتها إليهم .. إسم الرب يعلن حضوره، وحضوره يشفي يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه ” (أع 10: 38 ) ..

قيــود أُخــرى

تكشف لنا إحدي الصلوات في القرون الأُولى عن إيمان الأوائل بوجود أرواح للقلق و محبة المال ..

انزع من قلوبهم كل الأرواح النجسة .. الروح الخبيث الذي يقلق قلوبهم وروح الضلالة وكل خبث .. روح محبة الفضة وعبادة الأوثان .. روح الكذب وكل نجاسة ” ..

أيهـا القـاريء ..

نأتى الآن إلى السؤال الهام ، ما الذي يعطي الأرواح الشريرة السلطة لتقييد النفوس ؟ ..

ليتك تتوقف عن القراءة قليلاً لترفع قلبك إلى الله ..

إلهي الحبيب ..

تعال الآن بسراجك المضيء اللامع ..

تعال الآن بكلمات كتابك الحية ..

قولك يارب نقي .. ترس هو لجميع المحمين به .

تعال سيدي بكلماتك وأكشف لي بها

كل ما يعطي لإبليس الحق أن يقيدني ..

لن أظل جاهلاً بأفكاره ..

فأنت برأيك تهديني ..

وبعد إلى مجد تأخذني ..

متــى نقيـــد ؟

يحذرنا الوحي بكلمات واضحة قائلاً لنا لا تعطوا إبليس مكاناً ” (أف 4: 27) .. وكلمة مكان في اللغة اليونانية التي دون بها الوحي “topos” وهي كلمة تُطلق على مساحة من الأرض ..

فالوحي المقدس يحذرنا من أن نسمح لإبليس أن يحتل أية مساحة في حياتنا ..

هناك عدة أُمور تسمح لإبليس أن يأخذ أرضاً منا .. تسمح له أن يقيدنا..

+ + +

الأمـــر الأول

الدخول في دائرة الإتصال بالأرواح الشريرة

وقد تحدثنا عنها بالتفصيل في الفصل السابق ولكن لا مانع من أن نكرر التحذير مرة أُخرى من الدخول فيها ولو بقصد التسلية .. هذه أُمور خطيرة للغاية تقود حتماً إلى الظلمة الروحية ، وقد تسبب تشتيت الذهن وأمراضاً في النفس وفي الجسد .. يحذرنا القديس كيرلس الأورشليمي (القرن الرابع) بكلمات مشددة قائلاً ..

لا تذهب وراء هذه الأُمور ؛

العرافة ، الفال ، التمائم ، التعاويذ المكتوبة، السحر وما شابه ذلك لأنك لو انسقت إليها بعد أن تكون قد جحدت الشيطان (في المعمودية) وتبعت المسيح ، فستجد المستبد ( الشيطان ) أكثر مرارة وهكذا تُسْلَب من المسيح ليعمل فيك الشيطان ” .

أيها القاريء كن حذراً دائماً من مثل هذه الأمور لأنها خطيرة جداً ..

الأمــر الثــاني

الإستمرار في الخطية برضى

يقدم لنا الأصحاح الخامس من سفر إشعياء صورة معبرة عن علاقة الله بالنفوس ..

يُشبّه الله شعبه بالكرمة التي حظت بكل حب صاحبها .. إننا نقرأ كلماته المؤثرة ماذا يُصنع أيضاً لكرمي وأنا لم أصنعه ” (إش 5: 4) .. وما يهمنا الآن في هذا التشبيه هو ما قاله الوحي من أن الله قد بنى حول الكرمة سياجاً (سوراً) ..

تأمل معي ما حدث لهذا السياج عندما أصرّ الشعب أن يترك الله وأن يحيا في الخطية .. اسمع ما قاله الله أنزع سياجه فيصير للرعي. أهدم جدرانه فيصير للدوس ” (إش 5: 5) ..

آه ، ما أشد الخطر علينا إذا زال من حولنا السور الذي يحمينا من الأرواح الشريرة ، أو حتى إذا صارت فيه فتحة صغيرة .. تدخل الأرواح الشريرة لكي تؤذي نفوسنا وتقيدها ..

وعظ القديس مقاريوس منبهاً إلى هذا الخطر فقال :

كل نفس ليست لها شركة مع الروح القدس السماوي تأتي إليها الديدان المؤذية التي هي أرواح الشر وقوى الظلمة وتتجول بها كيفما تشاء .. هناك ترعى وتختبيء عميقاً في داخلها وتزحف في كل أرجائها ” ..

أيها القاريء ، إننا نفتح ثغرات خطيرة في السور الذي شيّده الله حولنا عندما نستمر بإرادتنا في كسر إحدى وصاياه ونرفض أن نأتي إليه ليتعامل بنعمته مع إنحرافنا ..

إننا نفتح ثغرة للأرواح الشريرة لكي تأتي وتضع سيطرتها على أفعالنا في المجال الذي عصينا الله فيه ، ولنشرح الأمر أكثر ..

الخطية التي لا تقاومها ولا تعترف بها ولا تأتي إلى الله من أجلها لكي يمتعك بغفرانه ويحررك منها تعطي لإبليس حقاً في أن يقيدك بها .. يقول الرب يسوع بوضوح شديد : ” من يعمل الخطية فهو عبد للخطية ” (يو 8: 34) .. ودراسة الأصل اليوناني للآية تؤكد أن الرب يسوع لم يكن يقصد مجرد السقوط العابر في خطية معينة بل استمرار السقوط فيها “Life of sin” ، فمن يستمر في خطية معينة دون أن يقاومها سيصير عبداً لها ..

وفي سفر التثنية أصحاح 28 أشار الرب في حديث مطوّل لشعبه إلى القيود التي ستأتي عليهم إذا تركوه وتجاهلوا وصاياه واستسلموا للخطايا ..

  • أشار إلى أنهم سيُقيَدون من الأعداء تُستعبد لأعدائك .. فيجعل نير جديد (قيد) على عنقك ” (تث 28: 48).. وأعطى الرب وصفاً لهؤلاء الأعداء هكذا أمة جافية الوجه (أي شرسة) ، لا تهاب الشيخ ولا تحن إلى الولد (لا تعرف الشفقة على كبار السن أو الأطفال) (تث 28: 50) .. تأمل هذه هي نفس صفات مملكة الظلمة .

  • كما أشار الرب إلى أن شعبه سيتعرض لقيود نفسية الإضطراب .. حيرة وارتجاف القلب .. ذبول النفس ” (تث 28: 20 ، 28، 65) ..

  • كما تحدث الرب عن الأمراض الردية التي ستصيب الشعب قائلاً له لا تستطيع الشفاء ” (تث28 : 27) ، أي إنه سيكون مقيداً بالمرض .

  • وتحدث الرب أيضاً عن الإصابات الجسيمة التي ستصيب الدخل المالي (تث 28: 28، 29) والتمزقات التي ستدمر وحدة العائلة (تث 28: 53 ، 54) ..

+ + +

والآن إلى بعض الأمثلة الواقعية التي توضح لنا كيف يقود الإستسلام للخطية إلى تقييد الإنسان .

أمثلـــة

شاب مسيحي يسقط في خطية جنسية بإرادته ، ويقول في نفسه لأفعلها ثم اعترف بها .. إلهي يغفر لي خطاياي .. ما أصعب هذه الكلمات ، إنها تكشف أن قلب قائلها يحتاج أن يتلامس بعمق مع حب من مات لأجله .. وما أخطر الأمر، فالإستمرار في السقوط بإرادته يفتح ثغرة في السور الذي يحميه ، ثغرة تنفذ منها أرواح النجاسة إلى نفسه وتقيده فلا يستطيع أن يتوقف عن فعل هذه الخطية .. لقد صار عبداً لها ، ولن يتحرر منها إلا إذا طرد الأرواح الشريرة التي تقف وراءها ..

وهذا آخر اعتاد أن يكذب ليُسهل قضاء مصالحه ، قد يأتي وقت بعد ذلك يجد نفسه عبداً للكذب ولا يستطيع إلا أن يكذب .. لقد قيده روح الكذب ” ..

وإنسانة مات لها شخص عزيز عليها ، فماذا فعلت ؟ .. تصرفت كغير المؤمنين ، رفضت أن تتعزى ..

نعم ، طبيعي أن يحزن المؤمن حين يرحل شخص عزيز عليه لكنه في حزنه لا يفقد ثقته في صلاح الله ولا يبتعد عن الصلاة لأجل التعزية ، هذا الحزن لا يعطي لإبليس مكاناً .. أما هذه فقد طلبت الموت لنفسها .. آه ، ما أخطر هذا الحزن الرديء ، الحزن الذي يجعل الإنسان يرفض قبول التعزية .. إنه يعطي مكاناً للأرواح الشريرة ولا سيما أرواح الحزن ، يعطي لها مكاناً داخل نفس الإنسان ..

وتزداد الخطورة إذا كان الشخص الذي رحل كانت تسكن فيه أصلاً أرواح شريرة فالمنطقي أن هذه الأرواح تبحث عن أجساد بديلة لتسكن بها ..

قيـود تظهـر بعـد وقـت

انشغل شاب لوقت غير قليل برؤية الصور الخليعة والأفلام الجنسية ، وكان دائم القول : هذه أشياء عادية لا تختلف عن غيرها .. أراها ولا تؤثر فيّ .. ليس لها أي سلطان عليّ “..

وقتها لم تكن فعلاً تؤثر عليه ، ومضت سنوات وتزوج وأنجب ، وفجأة ودون مقدمات وجد نفسه محاصراً بهذه المناظر القديمة .. وشَعَرَ لأول مرة بضررها ، تلح على ذهنه .. تلاحقه .. تجذبه للخطية .. وباتت سعادته الزوجية وترابط أُسرته مهدداً بالضياع ..

ما التفسـير ؟..

ماذا تقول كلمة الله ؟ ..

يجيبنا الرسول بولس بإعلان قانون روحي سجله لنا في رسالته إلى غلاطية الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً. لأن من يزرع لجسده فمن جسده يحصد فساداً ” (غلا 6: 7، 8) .. فنحن نحصد دائماً ما نزرعه ، لكن كما في عالم النبات هناك بذور لا تأتي بثمر إلا بعد وقت طويل من تاريخ زراعتها ربما يمتد لسنوات ، هكذا أيضاً في الحياة الروحية قد تظهر قيود بعض الخطايا بعد وقت ..

ليست كل خطية تُقيد

قد تكون خطاياك كثيرة في بداية علاقتك مع الله.. هذا لا يقيدك ما دمت لا تسقط فيها عن استهتار وتمادى بل نتيجة للضعف لأنك لازلت في البداية ..

ألا تتذكر أيام الطفلة ، ألم تكن تسقط على الأرض كثيراً وأنت لا تزال تتعلم السير؟ .. لكن ماذا كان يحدث ؟ .. ألم تكن تجد دائماً يداً أُخرى في انتظارك ، تُقيمك سريعاً بعد كل سقطة ؟ ..

صديقي، لا تبقَ في الخطية لحظة واحدة بل أمسك سريعاً باليد التي ثُقبت لأجلك .. تمتع دائماً بغفرانه .. لا تبق بعيداً عن شركته ..

صديقي ، ليست كل خطية تقيد بل فقط الخطية التي لا نرفضها .. التي نستمر فيها ولا نعترف بها ولا نجاهد ضدها ولا نثق أن دم المسيح قد غفرها لنا ..

الأمــــر الثـالـث

قيود آتية من الآباء والأجداد

ينظر الله إلى الأُسرة كوحدة واحدة تتأثر بسلوك رأسها ، ومرات كثيرة نقرأ في الكتاب المقدس أن الله قد بارك عائلات وأجيالها بسبب تقوى الآباء (تك 7: 1 ، 2صم 6: 11 ، تث 7: 13) كما حجب بركته بل وأوقع قصاصاً على عائلات أُخرى بأكملها بسبب أن حياة الآباء كانت شريرة (تك 12: 17 ، 20 : 18 ، 2صم 12: 10، 11 ، امل 16: 3) والحالة الأخيرة هي التي تتعلق بموضوعنا ، فبسبب شرور الأب قد يحجب الله حمايته عنه وعن أولاده فيصيرون ضعفاء أمام الأرواح الشريرة .. تقيده وتقيدهم .. وقد تمتد هذه القيود لأجيال من بعده ..

اُنظر ماذا يقول يوشيا الملك عظيم غضب الرب الذي انسكب علينا من أجل أن آباءنا لم يحفظوا كلام الرب ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب ” (2أى 34: 21) ..

تأمل أيضاً كلمات حزقيال الملك لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر في عيني الرب كان غضب الرب على يهوذا وأورشليم وأسلمهم للقلق والدهش (الرهبة) [ قيود في النفس ] .. وهوذا
سقط آباؤنا بالسيف وبنونا وبناتنا ونساؤنا في السبي [ قيود في الجسد ] لأجل هذا ” (2 أى 29: 6
، 8 ، 9) ..

أليس هذا ما نراه في الواقع ؟.. ألا تلاحظ وجود نفس الضعفات في سلسلة أنساب بعض الأُسر .. نفس القيود مثل قيود الكذب وشرب الخمر والشذوذ الجنسي وسكنى الأرواح الشريرة ..

كما أشار الرسول بولس إلى إمكانية وجود قيد واحد يُقيَد به شعباً بكامله حين قال الكريتيون دائماً كذابون ” (تى 1: 12) ..

وفي أحد المزامير أشار داود النبي إلى قيد كذب متوارث .. يقول زاغ الأشرار من الرحم ضلّوا من البطن متكلمين كذباً ” (مز 58: 3) ..

هنا يظهر سؤال .. هل في كل حالة يرث الأبناء عقوبات آبائهم ؟ .. هل في كل حالة يرثون قيودهم ؟ .. هل من العدل أن أُقيد أنا بسبب أخطاء آبائي وأجدادي ؟!!

أيها القاريء ، حين نتعرض لموضوع لابد أن نعرض فكر الكتاب المقدس الكامل عنه .. ولننظر الآن إلى هذه الكلمات التي وجهها الرب يسوع إلى الكتبة والفريسيين ..

أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم . لذلك ها أنا أُرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دم ذكي سُفِكَ على الأرض من دم هابيل الصِّدِّيق إلى دم ذكريا بن برخيا
(
مت 23: 33- 35) ..

يقول الرب أنه سيأتي عليهم قصاص خطايا آبائهم وأجدادهم .. لماذا؟ .. واضح من النص الإلهي أن السبب أنهم أخطأوا مثلهم ، فلم تكن لتأتي عليهم عقوبة آبائهم وأجدادهم الأفاعي إلا لكونهم هم أيضاً حيات ” ..

أقرأ أيضاً كلمات الرب التي نطق بها قديماً على فم إشعياء النبي متوجهاً بها إلى اليهود :
أما أنتم فتقدموا إلى هنا يا بني الساحرة ونسل الفاسق والزانية .. أما أنتم أولاد المعصية نسل الكذب ” (إش 57: 3، 4) ..

لماذا يذكرهم الرب بخطايا آبائهم ؟ .. السبب أنهم سلكوا في نفس الخطية فجلبوا على أنفسهم قصاص آبائهم .. ولأن هذا القصاص يشمل فقدان الإنسان لحماية الله له وبالتالي تعرضه لقيود من الأرواح الشريرة في مجال أو أكثر ، فإن ما يقال عن انتقال العقوبة إلى الأبناء يؤكد ضمناً انتقال القيود أيضاً ..

تأمل معي كيف صلى دانيال من أجل أن يتحرر شعبه من القيود ، لقد اعترف في صلاته بكلا الأمرين ..

1- خطايا الآباء التي بدأت بسببها القيود ..

2- خطايا الشعب التي بها استمرت ..

لقد اعترف دانيال في صلاته بكلا الأمرين لخطايانا ولآثام آبائنا صارت أورشليم وشعبك عاراً ” (دا 9: 16) ..

وذات الأمر فعله نحميا حين صلى ، لقد قال نحن أذنبنا .. وآباؤنا لم يعملوا شريعتك ” (نح 9: 33، 34) ..

ويقول الكتاب عن الشعب وقت نحميا أنهم وقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم
(
نح 9: 2) ..

وهكذا فإننا نقدرأن نقول إن القيود لا تنتقل إلى الأبناء ثم الأحفاد إلا في حالة واحدة وهي عندما يسلكون في نفس طرق ومسالك آبائهم وأجدادهم الشريرة ..

نعم ، بكل يقين لن تنتقل لهم إذا احتموا منها باللجوء إلى المسيح الذي عوقب بدلاً منهم في الجلجثة (إش 53: 4، 5) ..

صديقي ، دعني أُصارحك .. إذا لم تحتمِ في المسيح متمسكاً بدمه الغافر قد تتعرض لقيود تأتي عليك بسبب خطايا قديمة لآبائك وأجدادك ..

الأمــر الرابــع

قد تأتي القيود من الطفولة

الأطفال ، ولا سيما أطفال المؤمنين هم أحد الأهداف الهامة التي يعيرها إبليس اهتماماً خاصاً في هجومه الشرس على مملكة النور ..

الأطفال .. لماذا ؟

يزن إبليس جيداً كلمات الوحي التي تعلن بوضوح مقاصد الله نحوهم .. هو يعرف أن إرادة الله هي أن ينمو الأطفال في طريق آبائهم المؤمنين .. ينمون في الإيمان ويصيرون رجالاً ، جنوداً للرب يقاتلون من أجل امتداد ملكوته على الأرض ..

وإبليس يعرف أيضاً أن هذا الامتداد هو على حساب نقصان رقعة مملكته ..

ماذا يفعل ؟

هو عدو قناص ، ينتهز كل فرصة تتاح له لكي يسرق ويذبح ويهلك ” (يو 10:10) من أطفال المؤمنين ، من يقع منهم في يده ..

إنه يقاتلهم حتى وهم بعد أجنّة في بطون أُمهاتهم ..

هو المحرك الحقيقي لعمليات قتلهم والتي تُسمى للتهوين من أمرها بالإجهاض والتي للأسف الشديد صرنا نسمع عن انتشارها كوسط الأُسر المسيحية المؤمنة ..

إبليس يذبح ، وهو الذي يقدم للأُمهات مبررات كثيرة لكي يُريح بها ضمائرهن من هذه الجريمة البشعة .. فإذا لم ينجح في قتل الأجنة ، لجأ إلى طريقة أُخرى .. إلى التأثير على الحوامل والمرضعات ..

يشهد الكتاب بأن الجنين يتأثر بحالة أمه ، فإنجيل لوقا يسجل لنا كيف تحرّك يوحنا المعمدان بإبتهاج في بطن أُمه عندما سمعت أليصابات أُمه سلام العذراء الممسوح بالروح القدس ..

إبليس يعرف هذه الحقيقة ولهذا يجتهد أن يُعرِّض الحوامل وأيضاً المرضعات لضغوط نفسية شديدة ، وأن يقدم لهن أغذية ملوثة بالإشعاع أو بغيره من السموم الضارة أو يعرضهن لمجال مشبّع بأبخرة المصانع حتى يولد الأطفال وينمون وهم حاملون مسببات الضعف في أجسادهم وأنفسهم .. وحتى ينشأوا بأجهزة عصبية ضعيفة المقاومة .. وبأجساد عاجزة عن أداء وظائفهم الحيوية على نحو سليم ..

مرحلــة الطفـولة

ويلجأ إبليس في هذه المرحلة البالغة الأهمية إلى بذر زوانه الضارة وسط الحنطة الجيدة ، فيحاول أن يزرع في أذهان الصغار بذر أفكاره واتجاهاته المظلمة لتنمو وسط غيرها من أفكار واتجاهات سليمة يباركها الله ..

ويستخدم إبليس لهذا الغرض كل ما يتاح له من منافذ .. التليفزيون .. الموسيقى .. تجمعات الأطفال في المدارس التي تضم الجيد والرديء .. يستخدم كل المتاح له لكي يشب الأطفال مقيدين بطباع غير سوية وبإتجاهات منحرفة وسلوكيات شريرة ..

كما يلجأ الشيطان إلى حث البعض لإستخدام الأطفال في أعمال السحر وما يسمى بتحضير الأرواح .. هذا أمر خطير للغاية يعّرض الصغار لسيطرة الأرواح الشريرة فيظلوا خاضعين لعبوديتها إلى أن يأتوا إلى المسيح المحرر لكي يحررهم منها ..

آه أيها القاريء ، هل فهمت الآن مدى المسئولية الخطيرة الواقعة على كل أب وأُم في حماية أطفالهما من أخطر عدو لهم .. إبليس..

الأمــر الخـامـس

قيود آتية بسبب هجوم من الأرواح الشريرة

موجه ضدهم من آخرين نتيجة لأعمال السحر أو الحسد ..

كثيراً ما نسمع أن شخصاً ذهب إلى ساحر لكي يؤذي بالسحر شخصاً آخراً ، فماذا يفعل الساحر له ؟ .. ببساطة إنه يسلط عليه الأرواح الشريرة لتقيده في مجال أو آخر من المجالات التي تحدثنا عنها قبلاً ..

وأحياناً نسمع أن شخصاً أُصيب بضرر بالغ لأنه حُسِدَ من آخر .. والحقيقة أن لبعض أصحاب العيون الحاسدة علاقة حسنة مع الأرواح الشريرة ، وهي بدورها تُعبّر عن صداقتها لهم بمحاولة الإضرار بمن يحسدونهم ..

  • فهل ينجح السحر والحسد في تقييد الناس ؟

  • وهل يقدر أن يؤذي الكل ؟

أيها القاريء ، دعني أُقدم لك قصة واقعية حدثت في القرن الرابع دوّنها لنا قلم القديس جيروم، تجيب لك على هذين السؤالين ..

انجذب شاب لحب عذراء مسيحية .. حاول مراراً وتكراراً أن يستميلها له بكل الطرق ، لكنه فشل .. ذهب الشاب إلى أحد السحرة وشرح له حالته المعذبة طالباً منه العون ..

استمر الساحر عاماً كاملاً يعلمه الإرشادات اللازمة ، ثم أعطاه طبقاً من نحاس نُقشت عليه كلمات سحرية ورسومات مخيفة ليدفنه أسفل عتبة منزل الفتاة ..

في التو بَدت على الفتاة علامات الجنون .. عّرت رأسها ومزقت شعرها وأصرت على أسنانها وبدأت تنادى على الشاب بإسمه بصوت عال !! وامتلأت بميل شديد نحوه زاد إلى حد الجنون ..

أخذها والدها إلى الدير ، إلى القديس هيلاريون ولم يمض وقت طويل حتى بدأ الروح الشرير في العويل والإعتراف .. كان يردد ليس بإرادتي .. لَقد أُجبرت أن أفعل هذا .. كنت سعيداً من قبل ألهو وأخدع رجال المدينة في الأحلام .. آه أي صلبان هذه .. كم تعذبني .. كيف تأمروني بالخروج .. أنا مقيد بتأثير ما تحت عتبة الباب .. لن أقدر أن أخرج منها إلا لو أخرجني الشاب الذي قيدني هناك ” ..

أجابه القديس هيلاريون ساخراً : ” هل لك قوة عظيمة حتى إن طبقاً جعلك مقيداً ” .. قال له أيضاً : لماذا لم تدخل في الشاب الذي أرسلك إليها ؟ ” ..

أجاب الروح : ” ولأي هدف ؟ .. هل أدخل إلى شخص له صداقة بروح آخر زميلي ؟ .. إنه صديق روح الهوى ” ..

لم يطلب القديس هيلاريون أن يبحثوا عن هذا الشاب أو أن يخرجوا الطبق ، بل أعلن للجميع أن الأرواح الشريرة خادعة وتحسن الإلتواء ..

وخرج الروح الشرير واستعادت الفتاة وعيها فوبخها القديس هيلاريون بشدة لأنها سمحت للروح الشرير بالدخول فيها بسبب سلوكها (وحياتها المستهترة البعيدة عن الإيمان)..

اُنظر معي ماذا تقول هذه القصة .. لقد نجح السحر أن يقيد إنسانة عذراء مسيحية ، لكن القصة تقول أيضاً أنه لم يكن لينجح أبداً لو كانت متمسكة بالله محتمية به ..

نعم ، مهما كانت قوة السحر والحسد فهي لا تقدر أن تفعل شيئاً لأي إنسان يحتمي بدم الخروف المذبوح القائم ، يقول الوحي ليس عيافة [ سحر Sorcery (N.I.V) ] على يعقوب [ أي شعب الله ] ولا عرافة على إسرائيل [ أي على الشعب ] ” (عد 23: 23) .. ولكن لكي نتمتع بهذه الحماية لابد من توافر شرط هام توضحه كلمات الوحي السابقة لهذه الآية .. يقول الوحي لم يبصر
[
الله ] اثماً في يعقوب [ لا لأن الشعب لم يخطيء على الاطلاق بل لأنه كان محتمياً بدماء الذبائح ] (عد 23: 21) ..

فهناك إذن شرط للتمتع بالحماية من السحر والحسد وهو أن نتمتع أولاً بغفران الخطايا ، أن نتمتع بالدم الغافر .. تأمل كيف أن القديس يوحنا قبل أن يكتب للمؤمنين قائلاً : ” قد غلبتم الشرير ” (1يو 2: 14) قال لهم أولاً : ” أكتب إليكم أيها الأولاد لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه ” (1يو 2: 12) ..

تأمل أيضاً كلمات الله عندما وعد شعبه بحمايته من المُهلك ليلة خروجه من مصر ، لقد حذره من الخروج خارج الأبواب المُرشة بدماء الحملان المذبوحة قائلاً : ” وأنتم لا يخرج أحد منكم من باب بيته حتى الصباح ” (خر 12: 22) .. نعم إذا فقدنا ثقتنا في غفران دم الرب يسوع الحمل الحقيقي لخطايانا صرنا عِرضة لإيذاء السحر أو الحسد الموجهين لنا .. لذا لنتمسك دائماً بحماية الدم الثمين .. آه ما أعظم إعلان الوحي حينما قال : ” وهم (أي المؤمنون) غلبوه بدم الخروف ” (رؤ 12: 11) ..

الأمــر السـادس

قيود تأتي نتيجة التواجد في أماكن معينة

وقد تنشأ القيود نتيجة التواجد بقصد في أماكن تكثر بها الأرواح الشريرة دون أن يكون الإنسان مقاداً من الله ، كقبور الأشرار ومنازل السحرة والأماكن التي تمت بها من قبل جلسات تحضير أرواح..

كما قد يشكل الذهاب إلى أماكن اللهو والعبث والرقص خطورة كبرى .. يتحدث ترتليان من القرن الثاني موبخاً بشدة المسيحيين الذين يذهبون إلى مثل هذه الأماكن فيقول:

كم هو بشع أن نتجه من كنيسة الله إلى مكان للشيطان .. من السماء إلى الوحل ..

ماذا يمنع كل من ينجذب إلى هذه العروض من أن يُمَسّ بالأرواح الشريرة ؟

الرب نفسه يشهد لما أقوله .. نعرف امرأة مسيحية ذهبت إلى المسرح فرجعت من هناك ممتلكة بروح شرير “Possessed” .. ولما قمنا بطرد الروح منها ، وبّخناه بشدة لجرأته على اقتحام هذه الإنسانة المسيحية .. لكنه أجابنا بحزم [ إنني أقول الصدق .. لقد فعلت بها عن عدل .. لقد وجدتها في داخل منطقة سيطرتي ] ..

إني أمتلك براهين أُخرى عديدة ، أشخاص فقدوا الله لأنهم عاشوا في شركة مستمرة مع الأرواح الشريرة بذهابهم إلى هذه العروض .. لأنه لا يستطيع أحد أن يخدم سيدين (مت 6: 24) .. لأنه أية شركة بين النور والظلمة .. بين الموت والحياة ..

ولا تنخدع ، فما أخطر الذهاب إلى أماكن اللهو .. نعم قد ترى هناك ما هو لطيف ومفرح ونقي في ذاته ورائع .. هذا أمر متوقع ، فما من إنسان يقدم السم في شراب مرّ .. إبليس يقدم أُموره القاتلة مع أُمور أُخرى لا يدينها الله ، كما لو كنت قد أضفت جزءاً من العسل إلى كعكة مسممة ” ..

7- الأمــر السـابـع

قيود نتيجة لعهد مع الشيطان

قد يدخل البعض في عهد مع الشيطان ، وقد يكون عهداً مكتوباً بدم صاحبه
(blood subscription)
ربما مقابل الحصول على قوة أو مال أو نظير حل مشكلة مستعصية كما قد ينشأ العهد نتيجة الانضمام إلى عضوية ما يسمى بالخارج بكنائس الشيطان أو ما يماثلها .. ما أصعب القيود في هذه الحالة ، فإن الشخص يكون ممتلكاً بكامله لمملكة الظلمة ..

هـل مـن حـريـة ؟؟

لكن ماذا عن الشخص الذى قُيّدَ بالفعل ، هل من حرية له ؟ .. نعم ، فالمسيح يحرر .. رجاء أُطلب الآن من الله أن يعطيك أن تستفيد من الفصل القادم الذي يحدثك عن الحرية التي دعانا
الرب إليها ..

صديقي ، أنا وأنت أعجز من أن نحمي أنفسنا بأنفسنا .. لكن الكتاب المقدس يقول إن لنا حماية غير عادية ، كل قوى إبليس لا تقدر أن تؤذينا ..

آه ، يا للحماية التي لنا متى كانت حياتنا في المسيح ووثقنا أننا بر الله ” (2كو 5: 21) لأننا فيه ..

يا للحماية التي لنا متى وثقنا في كفاية دمه الثمين الذي يُطَهّر من كل خطية ، دمه الذي يرعب قوى الظلمة ..

نعم يا للحماية التي لنا متى وثقنا في أن قوة الرب هي لنا وأننا فيه أعظم من منتصرين ..

المسيح يحمي من القيود ..

المسيح يحطم كل القيود ..

في المسيح نحن أعظم من منتصرين ..

أبي السماوي ..

كم أشكرك لأجل كلماتك الحلوة التي

تطمئني جداً بها ..

كم أشكرك لأجل كلماتك التي سجلتها

لي في كتابك ..

أنك أنت نوري وخلاصي ..

أنك أنت حصن حياتي ..

أنك تخبئني في مظلتك في يوم الشر..

وتسترني بستر خيمتك ..

وعلى صخرة ترفعني ..

وفي ظل جناحيك أحتمي ..

أي حب هذا .. قد أحببتني به ..

نعم ، بسلامة أضطجع بل أيضاً أنام

لأنك في طمأنينة تسكنني ..

أبى ..

من يقدر أن ينزع ثقتي في حبك لي ..

أنت أبي ..

تحملني على ذراعيك وتدللني على

ركبتيك ..

تفك قيودي .. ترفعني وتحملني كل

الأيام ..

أنت أبي ..

اسمي منقوش على كفك ، فهل يقدر

إبليس أن يهزمني ؟!!

كيف؟!!

وأنا لك .. وأنت ليّّ

أنا في يدك ..

فمن يقدر أن يخطفني منك ..

أنت حافظي وأنت المحامي عني ..

إنني أُحبك يارب يا قوتي ..

من كتاب الفخ انكسر – الأب دانيال