الاتضاع طريق المجد

إن الكتاب المقدس رائع لأنه ليس له إلا هدف واحد وهو الحديث عن الرب له كل المجد وبيان روعته في أنه الخالق والمتجسد والمحب وجذبنا إليه لنتمتع به ومعه في بيت الآب.
والحديث اليوم عن رائعة من روائع الكتاب وهي تحدثنا عن حبيب قلوبنا وعريسنا الذي قرب مجيئه لنكون معه كل حين، ففي (رسالة فيلبي 2 : 6-11) يكتب الرسول بولس: “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ، لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ، مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ، لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ، لِمَجْدِ اللهِ الآبِ”

يشهد الروح القدس في هذه الأعداد شهادة رائعة عن لاهوت الرب إذ يقول ” إذ كان في صورة الله أي كان هكذا قبل مجيئه إلي أرضنا كإنسان. وهذه الأعداد تبين لنا سبع درجات تنازلية وتواضعية تبدأ من الإخلاء وتنتهي بالصليب.
1 – أخلي نفسه:
يبدأ البشير يوحنا كتابة إنجيله1:1 “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ” ولكن الرب أرتضي أن يخلي نفسه ويأتي إلي أرضنا وهو الوحيد الذي يمكن أن يقال عنه أخلي نفسه. الملائكة والبشر ما هم إلا عبيداً لله ولا يوجد لديهم  أي شئ يستطيع أن يسبغ عليهم كرامة أكثر من ذلك أما الرب فقد أخلي نفسه لأنه كان في صورة الله وأرتضي أن تُستر أمجاد لاهوته داخل خيمة الجسد في (2كورنثوس 8 : 9) “فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ”؛ في ذلك كان مُخلياً نفسه من كل مظاهر غناه كالله.
2 – آخذا صورة عبد:
وهذه هي الدرجة الثانية آخذا صورة عبد وكلمة صورة هي نفس الكلمة التي وردت عن الرب في مجده قبل تجسده “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ” وهي تعني أنه له المجـد صار إنساناً حقيقيا مشتركا في اللحم والدم مشابها إخوته في كل شئ وهو قدوس ومنفصل عن كل شر بلا خطية.
3 – صائرا في شبه الناس:
هذه هي الدرجة الثالثة في تنازله، صار في شبه الناس حين ولد؛  في (رومية 8 : 3) “لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ، فَاللَّهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ..” وهذا يعني أن مظهره الخارجي مثل الناس، لم يفرق عنهم شيئا لأنه كان إنسانا حقيقيا في كل شئ، والشئ الوحيد الذي كان يختلف فيه عن الناس أنه كان بلا خطية.
4 – وإذ وجد في الهيئة كإنسان :
الدرجة الرابعة في تنازله العجيب أنه كان إنساناً فقيراً وقد وضع نفسه في هذه الصورة مع إنه كان في الإمكان أن يأتي في صورة ملك ويختار الثروة والمركز ولكنه أختار أن يكون فقيرا ليس له أين يسند رأسه، كانت حياته كلها حياة التواضع ففي متى 11 : 29 “.. تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ”.
5 – وأطاع:
كالله لم يكن يعرف الطاعة ولكن إذ صار عبدا يعلمنا الكتاب عنه في عبرانيين5 : 8 “مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ”. كان مطيعاً طاعة مطلقة لله الأب، يقول عن نفسه في (يوحنا 4 : 34) “طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي”. كان المثال الكامل الذي أظهر الطاعة والاتكال الكاملين، لم يختر شيئا حسب إرادته الذاتية. كان البرهان علي كونه الخادم الأمين المطيع لله ولكن إلي أي درجة وصلت طاعته؟
6 – حتى الموت:
الدرجة السادسة في تنازله “حتى الموت” لم يكن للموت سلطان عليه كإنسان قدوس بلا خطية ولكنه أطاع حتى الموت، لم يكن أحد آخر غيره كفؤاً أن يضع حياته من أجل الخطاة لأن الجميع زاغو وفسدوا معاً وأعوزهم مجد الله وكانوا بذلك تحت حكم الموت ولكنه أرتضي أن يموت من أجل الخطاة. أن كان الله قد وجد سروره ولذته وتمجد في كل خطوة في حياة ربنا يسوع المسيح، ولكن أسمي الأمجاد هي تلك التي أشرقت بواسطة موته، لم يكن الأمر هنا خاصاً بالخطية وفداء الخطاة، بل في طاعته وهذا كان ممجداً لله.
أن موت المسيح تمجيد كامل لله أبيه وفيه خلاص لنا نحن الهالكين الذين آمنا به. كما أنه إظهار لِصفات الله كالحق والمحبة والقداسة والرحمة والبر والسلام.
7 – موت الصليب:
الدرجة السابعة تبين أن موته لم يكن موتاً عادياً مثل كل إنسان بل في موته كان تحت الدينونـة الرهيبة التي كان ينبغي أن يقاسيها الخطـاة في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت إلي الأبد ولكنها تركزت عليه هناك فوق الصليب في الثلاث الساعات المظلمة. (1كورنثوس 1 : 23) “وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!”. كان الصليب عثرة للكثيرين من هول العار المقترن به، وهكذا تنازل ربنا يسوع المسيح في موت الصليب إلي آخر درجات التواضع لكي يمجد الله.
1 – لذلك رفعه الله أيضا:
كلمة لذلك ترينا أن ما بعدها أساسه ما قبلها، أي أن الله رفع ربنا يسوع لأنه وضع نفسه وهذا يطابق قول الرب في لوقا 18 : 14 “لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ”؛ أن الله رفع ربنا يسوع إذ أقامه من الأموات وأجلسه علي العرش في يمين العظمة في السموات.
2 – وأعطاه اسما فوق كل اسم:
وأعطاه الاسم الذي تجثو كل الخليقة له – ما أحلي هذا الاسم علي مسامعنا “يسوع”.
3 – لكي تجثو باسم يسوع:
لهذا الاسم العجيب الرائع تجثو كل ركبة، نفس الاسم الذي كان يحمله وهو ناصري محتقر ومعني اسم “يسوع”، “يهوه المخلص” سوف تسجد للرب يسوع كل ركبة وهذه هي الدرجة الثالثة وتأتي بعدها ثلاث درجات متمثلة في ثلاث فئات.
4 – كل ركبة ممن في السماء:
5 – ومن علي الأرض:
6 – ومن تحت الأرض:
في هذه الفئات الثلاث نرى الملائكة ورؤساء الملائكة والشياطين بكل رتبهم والبشر جميعا أمواتا وأحياء، مؤمنين وهالكين، الجميع سوف يسجدون له، وان كان المؤمنون به الآن يسجدون له تعبدا ويجدون لذتهم وفرحهم في السجود له، فان الذين لا يخضعون له الآن سوف يسجدون له اضطراراً وهم في جهنم وإن كان السجود الآن يقترن بالإيمان والخلاص ولكن في جهنم لن يكون هناك خلاص لأن فرصة الخلاص مقترنة بعهد النعمة الحاضر. وسوف يقترن السجود له هناك اعتراف الجميع به ربا لمجد الله الأب. وهذا يقودنا إلي الدرجة السابعة.
7 – ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب:
ما أروعها صلاة الرب وهو في الجسد لله الآب في  يوحنا 17 :  4، 5 “أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ “. وهكذا نري في رفعه إلي هذه الدرجة السابعة تمجيدا لله الآب.
أحبائي ما أحلاى الوقت الذي نتأمل فيه في حياة ربنا المعبود وحبيب قلوبنا.
إن الكتاب المقدس يزخر بين دفتيه بالكثير والكثير من هذه الروائع. لا تدع اليوم يمر بدون أن يكون لك وقت للتمتع بإلهك.

 

الحياة المنتصرة